الماء في لسان العرب

الماء في لسان العرب

ما زلنا مع كتاب ((فقه اللغة وسر العربية)) من تأليف الإمام اللغوي أبي منصور عبدالملك بن محمد الثعالبي فهو حجة بالأمة في اللغة وأسرارها ومما جاء في فصوله: ((في أمطار الأزمنة)) يرويها عن حجتين في اللسان العربي هما: أبي عمرو والأصمعي قال:

((أول ما يبدو المطر في إقبال الشتاء فاسمه ((الحريف، ثم يليه الوسمي، ثم الربيع، ثم الصميم، ثم الحميم)). كما يروي عن العلامة ابن قتيبة: (( المطر الأول هو الوسمي، ثم الذي يليه الولي، ثم الربيع، ثم الصيف، ثم الحميم)).

فصل: في تفصيل أسماء المطر وأوصافه:

إذا أحيا الأرض بعد موتها فهو الحياء، فإذا جاء عقيب المحل أو عند الحاجة إليه فهو الغيث. فإذا دام مع سكون فهو الديمة، والضرب، برق ذلك قليلاً، والهطل فوقه، فإذا زاد فهو الهطلان، فإذا كات القطر صغاراً فهو القطقط، فإذا كانت مطرة ضعيفة فهي الرهمة، فإذا كانت ليست بالكثيرة فهي الغيبة والحنشة، فإذا كانت ضعيفة يسيرة فهي الذهاب والهيمة، قال رحمه الله: فإذا كان المطر مستمراً فهو ((الودق)) وهنا نذكر آيتين الأولى هي الآية ((43)) من سورة النور وهي قوله تبارك وتعالى: ]أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ[ أما الثانية فهي ((48)) من سورة الروم ونتلو منها آيات بعدها للإعتبار يقول تبارك وتعالى: ]اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ )48( وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ )49( فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[ .

قال رحمه الله: ((فإذا كان يعني المطر ضخم القطر، شديد الواقع فهو الوابل)). ونحن هنا نذكر أن ((الوابل)) قد ورد ثلاث مرات في آيتين من سورة البقرة، ذلك قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ )264( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[ البقرة 264-265

د/ إبراهيم إسحاق

نشرة المياه والصرف الصحي اليمنية (العدد 32 نوفمبر 2007م)

ثلاثيات البيت السعيد

محاولة لقراءة جوانب السعادة في البيت المسلم . .
وذلك من خلال وقفات تأملية مع توجيهات النبوة ..

ثلاثيات البيت السعيد ....

الأسرة هي الحصن والمعقل الأخير للمجتمع المسلم إن لم تكن هي الحصن الأول والأخير - بله - !
فالأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع وصناعته وصياغته ، وبقدر ما تكون الأسرة مستقرة في أفرادها وما يحيط بها بقدر ما تكون حصنا منيعاً ، ومدرسة دفّاقة بالأمل والعمل .
إن من أهم مطالب الأسرة مطلب السعادة !
والحق أن السعادة ليست مطلب الأسرة فحسب ؛ بل السعادة مطلب كل مخلوق خلقه الله تعالى على وجه الأرض من الكائنات الحية !
فتجد كل يغدو في سبيل إسعاد نفسه وإسعاد من يعز عليه وتقر به عينه .
ومن هنا كانت هذه المحاولة للقراءة في بعض نصوص الوحي التي أشارت إلى عناوين ورسمت خطوطا في سبيل تحصيل السعادة وخاصة السعادة الأسرية . كتبتها على هيئة ثلاثيات ....
أخرج الحاكم في مستدركه عن سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أربع من السعادة المرأة الصالحة والمسكن الواسع والجار الصالح والمركب الهنيء وأربع من الشقاوة الجار السوء والمرأة السوء والمسكن الضيق والمركب السوء ) .
وإنما اعتبرت فيها الجار من لوازم المسكن ، حيث يتأثر المسكن بالجار سلباً وإيجاباً فصار من المناسب جمعهما في قالب واحد .

وعلى هذا فتكون
ثلاثية البيت تتكون من :
1 - الأفراد .
2 - المسكن .
3 - المركب .

أولاً ثلاثية الأفراد :
1 - الزوج .
2 - الزوجة .
3 - الأبناء .


الزوج
ثلاثية الزوج :
1 - الدين .
2 - الخلق .
3 - القوامة .

* الدين
ثبت في الحديث الصحيح ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه ) فجعل الدين من أهم صفات الزوج السعيد .
والمتأمل يجد أن اشتراط الدين إنما حصل في نصوص الوحي من جهة الزوج ، أما من جهة الزوجة فإن الشريعة قد أباحت الزواج من الكتابيات ولا يجوز للمرأة أن تتزوج من غير مسلم مؤمن بالله . والحكمة في ذلك - والله أعلم - أن الزوج في الغالب الأعم هو الذي له القوامة والأمر والنهي وأن الزوجة تتأثر بزوجها سلباً وإيجابا في العموم الأغلب ومن هنا شُرع للرجال المسلمين الزواج من كتابيات لا العكس .
وسر السعادة في اختيار صاحب الدين : أن الحياة الزوجية قائمة على المشاركة والبذل والتفاني من هنا فإن الزوج صاحب الدين سوف يبذل ويتفانى في أن يكون وزوجته على استقامة مرضية في الدين ، والسعي إلى إكمال بعضهما الآخر ، كما أن صاحب الدين يلتزم أمر الله ونهيه في زوجته على أي حال في الرضا والغضب ، وفي اليسر والعسر . في الفرح والحزن ... وهكذا .
أضف إلى أن صاحب الدين ستنعكس تربيته لأبناءه على أساس هذا الدين لا على أي وجهة أخرى . ثم إن الشريعة لم تكتف باشتراط اتصاف الزوج بالدين حتى يضم إلى ذلك حسن الخلق :

* الخلق .
سبق في الحديث ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) وفي بعض الروايات ( إذا أتاكم من ترضون أمانته ) والأمانة خُلق أخص من جملة الأخلاق ، وإنما ذكرت الأمانة دون غيرها في هذا الموطن : لأن الزوجة إنما هي أمانة عند زوجها ، فمن عُرف عنه صيانته للأمانة فإنه سيصون هذه الأمانة ويحفظها .
وأهم ما ينبغي أن يكون عليه الزوج من خلق مع زوجته أن يرعى فيها ثلاثة أمور :
مراعاة طبيعة تكوينها من الضعف والنقص :
فيصبر على ذلك فقد ثبت في الحديث الصحيح عند الشيخين : عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها ) ( استوصوا بالنساء خيراً ) .
- حفظها ورعايتها ، والعشرة بالمعروف .
على حدّ قول الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) .
- أن يحقق فيها ( المودة والرحمة )
إن أحبها ودّها وقرّبها وحنا عليها ، وأظهر حبه لها مستغلاً في ذلك كل وسيلة وطريقة لبث روح الحب والمودة وإن كرهها رحمها ولم يهنها أويكفر عشرتها .
قال الله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(21)
فإن الرجل يمسك المرأة أما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد أو محتاجة إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ومن هنا فإن مطلب الخلق إلى جنب الدين مطلب ملح ومهم في سبيل تحقيق السعادة الأسرية ، ولا ينفك أحدهما عن الآخر . ( إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ) فتنة تقع على الأفراد بالضياع وتبذّل الأخلاق .
وفساد بانتشار الفتن وتفكك البيوت والأسر وضياع الأبناء .
كل ذلك حين يتخلف أحد هذين الوصفين أوكليهما ( الدين والخلق )

· القوامة .
اختص الله جل وتعالى الرجل بخصيصة القوامة دون المرأة فقال جل وتعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء ) القوامة التي معناها الأمارة والرئاسة والتأديب .
ولازمها النفقة بالمعروف والذب عن الزوجة وحفظها .؛ وتأمل التعبير بقوله ( قوّامون ) على صيغة المبالغة التي تدل على الأمر بالاجتهاد قي حفظ الزوجة ورعايتها وحسن تأديبها ومعاشرتها . وبذل المستطاع في سبيل حماية الأسرة .
والمتأمل البصير يجد أن القوامة ليست تشريف بقدر ما هي أمر وتكليف ، وحين يتخلى الرجل عن صفة القوامة لتبرز في الزوجة فإن الأسرة هنا يختل وضعها وأمرها ، لاختلال هذه الصفة في الرجل .
فالبيت السعيد هو البيت الذي تشعر فيه الزوجة بقوامة زوجها عليها وعلى أبناءها وبذله واجتهاده في ذلك . إذ فائدة القوامة راجعة إليها وإلى أبناءها ...
لكن حين تبقى قوامة البيت في يد المرأة فإنه ( لا يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة ) هذا على نطاق الأسرة وينجر ذلك على المجتمع والجماعات .!
ومن هنا كانت القوامة من أهم صفات الزوج الذي تكتمل به سعادة الأسرة باكتمال تحقيق أفرادها سبل السعادة .

رابط مهم :
http://www.naseh.net/vb/showthread.php?s=&threadid=14462


الزوجة
ثلاثية الزوجة
1- الصلاح .
2 - الجمال .
3 - اليسر .

· الصلاح .
وهو المطلب الأول في اختيار الزوجة التي تكون بها السعادة ؛ مطلب الصلاح .
وأهم ما يراد ويطلب في صلاح المرأة هو: صلاح دينها ، الأمر الذي ورد النص بالظفر به فقد اخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ) وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند بن ماجة يرفعه :لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن - أي يهلكهن - ولا تزوجوهن لاموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة سوداء ذات دين أفضل .
والله جل وتعالى قد جبل المرأة على الضعف والنقص وطبيعة الخَلْق من ضلع أعوج يحتّم على من يطلب السعادة الأسرية أن يبحث عن ذات الدين التي يمنعها دينها ويحجزها من أن تنجر على ضعفها وعوجها فلا ترعى حق الله في نفسها وزوجها وابناءها .
ومن جهة أخرى فإن صاحبة الدين تسعى لأن تبلغ وزوجها المرتبة العليا في باب الدين والتدين والصلة بالله .
والمشاهد أن المرأة أشد عاطفة في التدين والعبادة من الرجل، وهذا أمر نراه ملموسا في الواقع مما يعني أن اختيار صاحبة الدين الصحيح ايسر في سياستها ومعاشرتها من غيرها التي لا يردعها دين ولا خلق .

ولسائل أن يسأل : ما حكمة التنصيص على حسن الخلق في الرجل إلى جنب الدين،والسكوت عنه في المرأة والاقتصار على طلب ذات الدين ؟!
لعل الحكمة - والله أعلم - في ذلك تظهر في أمور:
- أنه لمّا كانت القوامة بيد الرجل وأنه صاحب الأمر والنهي في البيت والأسرة كان اشتراط حسن الخلق فيه آكد حتى لا ينتهي الأمر إلى سفيه أو مجترئ على حق ضعيفة حرّج على حقها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله ( إني أحرج حق الضعيفين المرأة واليتيم ) . فصاحب الخلق اقرب لأن يرعى هذه القوامة بحقها .
- أنه لمّا كانت المرأة خُلقت من ضلع أعوج وأنها جُبلت على النقص والضعف كان التنصيص على طلب صاحبة الخُلق فيه مشقّة للجبلة التي جُبلت عليه . ومن جهة أخرى فإن نصوص الوحي التي جاءت تأمر المرأة بحفظ زوجها وحسن التبعّل له أكثر من تلك النصوص التي وردت في حقوق في جانب الرجال ، فكانت هذه التوجيهات والنصوص بمثابة التهذيب لخلق المرأة على عوجها ونقصها - والله أعلم - .

· الجمال .
والمراد بالجمال هنا جمال المظهر والمخبر .
فجمال المخبر بجمال الروح وشفافيتها ..
جمال العفة والطهر والحياء .. وهذا المقصود الأعظم من طلب الجمال في المرأة .
أن تكون طاهرة السريرة نقيّة عفيفة حيية ، تشكر على المعروف ،وتحسّن التبعل بالمعروف ، تقيم فرضها وتحفظ بيتها وترعى أبناءها ؛ جاء عند ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت ) فهذا النص النبوي قد أبان أصول جمال الروح عند المرأة :
- المحافظة على الفرائض .
- تحصين الفرج ( فيه كناية عن الطهر والعفاف ) .
- طاعة الزوج . ( حسن التبعّل له وعشرته بالمعروف ) .

ثم يأتي بعد جمال المخبر جمال المظهر ، وهو مقصد تكميلي لدوام العشرة والسعادة بين الزوجين .
فإن النفوس جُبلت على حب الجميل الذي تأنس به العين ويسكن إليه الفؤاد ، وفي هذا تغنّى الشعراء وتاه الأدباء - إلا من رحم ربك- والجمال من هذه الجهة في اصله لا يستطيع العبد أن يتصرّف فيه ، لكن الله تعالى أباح للمرأة أموراً تتجمل وتتزين بها لبعلها مما يزيد في حسن تبعلها ودوام الألفة بينها وبين زوجها .
وجمالها من هذه الجهة يكون في :
- أن تكون بكراً غير ثيّب .
فإن البكر أدعى للألفة والمحبة لما يكون منها من شدة الاهتمام والعناية بالتجمّل والزينة ، ولذلك جاءت السنة بالندب للتزوج من الأبكار : من حديث جابر رضي الله عنه ( فهلاّ بكرا تلاعبها وتلاعبك ) ( وتضاحكها وتضاحكك ) !
وقال صلى الله عليه وسلم ( عليكم بالأبكار فإنهن اسخن اقبالاً وأنتق أرحاما وأرضى باليسير من العمل ) !

- حسن التجمل والزينة في الهيئة .
ثم مع هذا - أي مع كونها بكراً - فإن على المرأة أن تعنى بهذا الجانب عناية خاصة من حسن التجمّل والزينة للزوج ، فإن المرأة بتكميلها لهذين الجمالين ( المخبر والمظهر ) تكون كنزا من كنوز الدنيا ، جاء في الحديث ( ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء : المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته ) .
فتأمل الوصف : ( إذا نظر إليها سرته ) ببشاشة وجهها وطلاقته ، وحسن هيئتها وجمالها ... هذا بمجرد نظره إليها تُسرّ نفسه وتأنس عينه فما بالك بما بقي !!!
وهاهنا ينبغي على الزوجة أن تعنى بجمالها وحسن هيئتها سيما في زمن أصبحت فيه بضاعة الشهوة والجنس الرخيص سائبة ، فإن المؤمن يحتاج في بيته ما يكفّ به بصره عن الحرام ، ويقنعه من أن يمدّ عينيه إلى زهرة الحياة الدنيا !!
كما ينبغي على المرأة أن تحذر في هذا الباب من أن تنجر وراء لهاث الموضة والصرعة الأخيرة !!
فتكلّف نفسها أن تتزين بما حرم الله تعالى من تغيير خلق الله وتبديله بالنمص أو الوشم أو الفلج أو الوصل وغير ذلك من أمور التجميل التي يعود أثرها بالضرر المتحقق على الإنسان .

· اليسر ..
ثبت عند ابن حبان عن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خيرهن أيسرهن صداقا ) ، وفي المستدرك عند الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أعظم النساء بركة أيسرهن صداقا ) والبركة تعني زيادة الخير ونماءه .
فالزوجة المتيسر أمرها وحالها أكثر وأعظم بركة ممن غلا صداقها وفحش .
وإنك ترى اليوم كيف يقضي الزوج حياته في تعاسة وشقاء بعد الزواج من جرّاء الديون المتكاثرة ..
إيجار في شقة فاخرة ..
وتقسيط لأكثر من سيارة..
وقرض من هيئات ومشاريع خيرية ..
كل ذلك ليستكمل المهر وليقيم حفلة زفاف تليق ( بالمحروسة ) ..
فأي سعادة هذه السعادة التي يجدها من يعيش همّ الدين بالليل وذلّه بالنهار ؟!!!
بل أي سعادة يجدها الزوج مع زوجة يشعر أنها هي سبب شقاءه وبلاءه ومصائبه !
وقد حصل لي وأن أطلعت على حادثة غريبة من نوعها ،حيث وجدت شابا مهر عروسه ( مبلغ خيالي ) !!!!
سألته : كيف تجد نفسك ؟!
فقال : والله لأخرجن هذه الآلآف من عيونها - يعني زوجته - !!
يقول هذا الكلام وهو بعد لم يتم زفافه ... فبالله عليكم ما حجم السعادة التي يحياها مثل هذا مع زوجة يرى أنها استنزفته حتى أفقرته !!!
وكم سمعت عن حالات طلاق تمّت بعد الزواج بأسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين ، ثم جلسات وجلسات في أروقة المحاكم لاستخلاص الحقوق والأموال الطائلة التي صرفت في زواج هذه المطلقة !!
ألا فليتق الله الآباء في مهور بناتهم ، فإن اشرف نساء العالمين أمهات المؤمنين رضي الله عنهن لم يكن مهر إحداهن يبلغ عشر مهر بناتنا في هذه الأيام ! بل كان صلى الله عليه وسلم يزوّج بالقرآن .
ومن هنا فمن أراد دوام السعادة الزوجية فعليه أن يبحث عن اليسيرة الميسّرة لتحلّ في بيته البركة التي أخبر عنها صلى الله عليه وسلم .
على أن صفة اليسر صفة نسبية تختلف من فئة لأخرى ، لكن تبقى صفة اليسر صفة يحسّها الزوج في زواجه وعشرته .

فالمرأة اليسيرة :
- يسيرة المهر والصداق .
- يسيرة الجَهاز والزفاف .
- يسيرة العشرة والألفة .
- يسيرة الطلبات والرغبات فلا تكلّف زوجها ما لا يطيق ، بل هي تعيش حياته متكيّفة مع حال زوجها قنوعة صبورة شاكرة حامدة .


الأبناء . .
ثلاثية الأبناء
1 - الصلاح .
2 - البر .
3 - الصحة .

· الصلاح .
صلاح الأبناء من أعظم مقاصد الشريعة في تكوين الأسرة المسلمة .
إذ الأبناء هم الجيل الذين تعوّل عليهم الأمة في صناعة مجدها وصياغة عزّها على نور من الوحي وهدى . وكما أن صلاحهم مطلب شرعي ، فهو أيضا قرة عين لآبائهم فالابن الصالح ثمرة خير وبركة على البيت المسلم .. آثاره في الواقع بيّنة بل ويمتد اثر صلاحه حتى بعد وفاة أبويه :
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) فتأمل بركة صلاح الابن كيف تصل إلى أبويه حتى بعد موتهما وليس ذلك إلا للولد الصالح .
من هنا كان صلاح الأبناء من أعظم مطالب السعادة في الأسرة السعيدة .
ولذلك جاءت نصوص الشريعة متوافرة بالأمر برعاية الأبناء وحسن تربيتهم وتأديبهم .
قال الله تعالى : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) ؛ والولد مشغلة وفتنة كما قال الله : ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) وثبت في الحديث ( الولد مجبنة مبخلة ) ولهذا عطف الله تعالى بقوله ( والباقيات الصالحات خير ) قال غير ما واحد من السلف أن الباقيات الصالحات هي : كل عمل صالح يقرب إلى الجنة .
وسر هذا العطف أنه لما كان الولد فتنة والإقبال عليه والتفرغ له والشفقة عليه والجمع له قد تشغل العبد عن المقصود الأعظم من حصول الأبناء نبه الله تعالى إلى الاشتغال بتربيتهم تربية صالحة وادخارهم للآخرة خير من تسمين عقولهم وخواء قلوبهم ... ولذلك يسمى الولد الصالح ( عملا صالحا ) قال الله تعالى في حق ابن نوح عليه السلام ( قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح ) !!
وبما أن الصلاح والهداية أمر بيد الله تعالى - ( إنك لا تهدي من أحببت ) - جعلت الشريعة بعض التدابير الوقائية التي تعين الوالدين على أن يسلك أبناؤهم طريق الهداية والصلاح ، فمن ذلك :

- حسن الاختيار .
أعني حسن اختيار الزوجة أو الزوج على ضوء الوصية النبوية التي جعلت أساس معيار الاختيار في أمرين ( الدين والخلق ) .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأبناء يتأثرون بدين آباءهم فعن أبي هريرة رضي الله أنه كان يحدث قال : النبي صلى الله عليه وسلم ( ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه فطرة الله التي فطر الناس عليها الآية .

- الذكر عند اللقاء . .
فعن بن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله فقال باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدا )
قا ل ابن حجر رحمه الله : كثير ممن يعلم هذا الفضل العظيم يذهل عنه عند المواقعة والقليل الذي يستحضره . الفتح 9 / 229

-- الأذان في أذن المولود عند الولادة .. .
فعن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه قال( رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة ) قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح .
فإن المولود عند خروجه يمسّه الشيطان فيستهل صارخاً لحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من مولود يولد إلا يمسه الشيطان فيستهل صارخا إلا مريم ابنة عمران وابنها إن شئتم اقرؤوا إني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) .
من هنا ندرك حكمة الأذان في أذن المولود عند ولادته ، إذ من حكم ذلك تحصينه من الشيطان الرجيم ، لأن الشيطان إذا سمع الأذان ( ولّى وله ضراط ) !

- تربية الأبناء على الفرائض والآداب الشرعية في أحوالهم وحياتهم ... .
وإن من أهم ما ينبغي أن يغرسه الآباء في نفوس أبناءهم وأطفالهم :
- حب الله تعالى .
- حب الرسول صلى الله عليه وسلم .
- حب القرآن .
- أدب المعاملة مع الآخرين : ( الوالدين - الإخوان - الأقارب والأرحام - الناس على اختلاف طبقاتهم - الحيوان ) .

وقد جاءت الشريعة بوسائل تلك التربية فمن ذلك :
- ( مروا أبناءكم للصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ) .
فتأمل كيف جعل سن السابعة سن الترغيب في الصلاة والتشجيع عليها ، فانظر لو أن طفلا بدأ يصلي من عمر السابعة في اليوم يصلي خمس صلوات ، وفي الأسبوع ( 35 ) صلاة ، وفي الشهر ( 140 ) صلاة وفي العام ( 1680 ) صلاة وفي ثلاثة أعوام ( 5040 ) مرة يصلي فيها فهل ترى من نشأ على ذلك يترك الصلاة حين يبلغ سن العاشرة ؟!!
- إظهار شعيرة الصلاة في البيت تعليماً لأهل البيت وشحذا للهمم . .
فالطفل بطبعه يحب أن يقلّد الكبار في أفعالهم ، من هنا جاء التوجيه النبوي الكريم ( صلوا في بيوتكم ) الأمر الذي يتحقق به تحصين البيت من الشيطان الرجيم ويحصل به تعليم أهل البيت وتربيتهم على ذلك.
- اصطحاب الأبناء للمسجد ومواطن العبادة .

الأمر الذي له بالغ الأثر في نفس الطفل حين يرى جموع المصلين تكبر مع الإمام وتصلي معه وتؤمن لتأمينه .
ومثل هذا ينبغي على الوالدين العناية به ،كما ينبغي على المجتمع أن يحترم ويقدّر هذا الطفل بالتشجيع والثناء وعدم زجره وتأنيبه لو أخطأ في مشاغبة أو نحوها في المسجد فإن الطفل من طبعه الحركة وكثرتها ، ولذلك ينبغي على الآباء والمجتمع أن ينمّو هذه الظاهرة بالتوجيه والتشجيع لا بالتأنيب والتقريع والتوبيخ .
فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينزل من على منبره ليحمل الحسن أو الحسين وكان الحسن أو الحسين يرتحله وهو ساجد فيطيل السجود .
الأمر الذي يدلنا على المنهج النبوي في تعويد الأطفال على طبيعة المسجد وما يكون فيه من الصلاة والعبادة .
ومن ذلك صحبة الطفل في حج أو عمرة أو إلى المسجد الحرام أو أي موطن للعبادة مما يولّد عند الطفل حبا وارتباطاً بمثل هذه المواطن وما يكون فيها من الشعائر .

- تعويدهم على الآداب الشرعية في أحوالهم وحياتهم ..
كاحترام الوالدين ، وإكرام الضيف ، وتربيتهم على الصدق وبغض الكذب ، وتعويدهم على الأذكار كأذكار الطعام والشراب والنوم والاستيقاظ والخروج من المنزل والدخول ....وتعليمهم على الشعور بالآخرين والعطف على الضعفاء والمساكين ... إلى غير ذلك من الآداب الشرعية التي يجدر بكل والد ووالدة مراعاتها في حال تربية الأبناء ، فإن البناء أمانة والوالدين قدوة !
فيالله كم هي سعادة المرء حين يكون أسعد الناس به من حوله من أهله وابنائه ...
وليت شعري كم هو شقي كل الشقاء من كان أشقى الناس به اقربهم إليه !!

- الدعاء . ..
فإن دعاء الوالدين لأبنائهم من أقرب الأدعية إجابة عند الله ، وذلك لما يقوم في نفس الوالدين أو أحدهما حال الدعاء من شدة الحرص والإشفاق وصدق اللجأ والطلب .
ومن هنا ينبغي أن نرعى ألسنتنا عند الدعاء فلا ندعوا على أبناءنا إلا بخير وعافية ، فرب دعوة توافق استجابة تكون بها سعادة الدنيا والآخرة .. ورب دعوة تحبط العمل وتعود على صاحبها بالحسرة والندامة .
وبعد هذا يبقى اثر القدوة والإقتداء في أن يسلك الأبناء حذو والديهم :
مشى الطاووس يوما باختيال : :: فقلّد نحو مشيته بنوه !!

· البر . .
وخلق البر خُلق أخصّ .
وإنما أفردته لالتصاق هذا الخلق بالأبناء ، ولأن البر من غايات طلب الولد .
فإن الوالدين إنما يطلبون الولد بغية البر بهما .
وعلى هذا الخلق ينبغي أن نربي أبناءنا وفلذات أكبادنا .. وتربيتهم على هذا الخلق يبدأ من ذواتنا نحن ، ومن خلال برنا نحن بآبائنا وأمهاتنا ؛ فكم سمعنا ونسمع عن حوادث العقوق المتسلسلة في عقود أحداثها المتشابهة في فصولها ، الأمر الذي يحتّم على كل والدين أن يبدؤوا بخاصة أنفسهم بالبر بآبائهم وأمهاتهم .
والمؤسف حقاً أن يتزوج الرجل وتتزوج المرأة ثم إنهم يغفلان عن البر بآبائهم ظنّاً منهم أنهم قد شبوا عن الطوق ولم يعد متعلق في ذمتهم البر بآبائهم بعد الزواج !
وهكذا تبقى سلسلة العقوق متصلة في العقب والذرية - نسأل الله الحماية - ولا يزال البيت يتجرّع مرارة الشقاء بسبب عقوق الآباء . وقد جاء في اثر : بروا آباءكم تبركم أبناءكم !!!
وفي سبيل تحصيل السعادة ببر الأبناء فهاكم أيها الآباء بعض الأمور المعينة على ذلك :
- العقيقة عن المولود ...
فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من ولد له منكم مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة ) الحاكم في المستدرك . وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ) .
فالعقيقة عن المولود وسيلة من وسائل تحقيق بر الأبناء وتجنيبهم العقوق .

- اختيار الاسم الحسن للمولود ....
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويعجبه الفال الحسن .
ثم إن الاسم له اثر على شخصية حامله ، وبقدر ما يكون اسم الولد حسناً بقدر ما يجد اثر ذلك في بر الأبناء. فإن الابن قبيح الاسم يكبر وتكبر معه أحقاده على من تخيّر له اسم يُعيّر به وهذا أمر واقع - نسأل الله الحماية - .
وفي تربيتك لأبنك وطفلك :
- عوّد طفلك على احترام أبويه . فلا يرفع أحدكما صوته على الآخر أمام الأطفال الأمر الذي يُسقط قيمة الاحترام عند الطفل لأبويه أو أحدهما .كما لا تتعارض توجيهاتكما للطفل تعارضا يسقط هيبة أحدكما عند الطفل .
- كافئ طفلك على حسن بره ومساعدته لأبويه وسماعه للتوجيهات . فقد يقوم الطفل بمساعدة والدته في بعض شئون المنزل .. لا تجعلي هذا الموقف يمرّ دون مكافأة أو إشادة وحسن توجيه .
- لا تتغاضى عن خطأ الطفل في حق والديه ، فالطفل قد يسب والديه أو قد يرفع يده ليضرب أو يصفع !! لا تتجاهل هذا الخطأ ولا تجعله يمر عابرا كما لم يكن عابراً في بدايته !!
- أيها الوالدان أشعرا أبناءكم بالحب والقرب منهما ، فبقدر ما تنمى عاطفة الحب عند الطفل بقدر ما يستقيم على طريق البر والإحسان .
وحين يتحقق بر الأبناء بوالديهم فإن السعادة تغمر البيت كما لو كانت جنة من جنان الدنيا .
استشعر معي سعادة ذلك الإنسان الذي كان يغبق لوالديه اللبن ، وفي يوم تأخر عليهما بالغبوق فأدركهما وقد ناما فوقف على رأسهما حتى يستيقظا ليعطيهما غبوقهما وأطفاله من حوله يتضاغون كتضاغي صغار الطير من شدة الجوع وهو يؤثر أن لا يطعم الغبوق أحد قبل والديه !!
فيالله ما أجمل نغمات التضاغي .. ..
ويالله ما أعذب وأهنئ وامرئ الغبوق بعد شِبع الوالدين ....
وتأمل أثر هذا البر في واقع الحياة وكيف أنه بسبب ذلك فرّج الله عن هذا البار كربة من كرب الدنيا !!!
كم هي سعيدة تلك الأسرة التي تعيش بر أبناءها .

· الصحة ..
فإن من أعظم ما يدخل السرور والسعادة في البيت أن يكون الابن أو البنت في صحة وعافية .
فكم يكون البيت سعيداً حين ما يكون البناء في صحة وعافية .
الأمر الذي يعرف شأنه بقياسه بالضد ...
فكم يكون البيت كئيباً عند مرض الأطفال ...
فلا الليل ليل ولا النهار نهار !! يحس بهذا كل أب مشفق وأم حانية .
وقد ذُكر عن بعض السلف أنهم كانوا يهنئون من وُلد له ولد بسلامة المولود وأنه لم يكن معاقا أو معتوها ! بل كان بعضهم أول ما يسأل عنه عند ولادة المرأة : السؤال عن حال الطفل وصحته .
ومن هنا نجد أن بعض التوجيهات النبوية في حق المولود تشير من ضمن ما تشير إليه إلى أهمية حفظ الصحة للأطفال ؛ فمن ذلك :
- الندب إلى الأذان في أذن المولود .. الأمر الذي يكون له أثر نفسي على المولود بعد أن مسّه الشيطان عند خروجه
- إماطة الأذى عن رأس الطفل بحلق رأسه في يوم السابع ثبت عند الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه )
وقد كان أهل الجاهلية يضعون الدم على راس الطفل يوم سابعه فأمر صلى الله عليه وسلم بإبطال هذه العادة وأن يوضع على رأس الطفل الخلوق ، وهو نوع من أنواع الطيب .
- تحنيك الطفل له اثر إيجابي في رفع سقف الفم ( الحنك ) مما ييسر على الطفل سهولة رضاعة لبن الأم والاستفادة منه .
- تحصين الأطفال وتعويذهم بالأذكار والرقية الشرعية . ومن هذا : ما جاء من الأمر بكفّ الصبيان عند المساء فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشيطان ينتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم ) وعند البخاري : ( فإن للجن انتشارا وخطفة ) !
- الأمر بالختان فبالإضافة إلى أنه من شعائر الإسلام فهو أيضا له آثار صحية أثبتتها بحوث ودراسات وفحوصات طبية بيّنت أن الطفل المختون أحسن صحة من الطفل غير المختون .
- الرضاعة الطبيعية . فإن الله جعل من حق المولود أن ترضعه أمه حولين كامل ، ومن نافلة القول الإشارة إلى فوائد حليب الأم للطفل فقد أكدت الأبحاث أن الطفل الذي يرضع رضاعة طبيعية يكون أقل عرضة
للأمراض حتى وإن كان معرضا لمرض وراثي مثل السكر فالرضاعة الطبيعية تؤخر إصابته بنفس المرض. وقد استحدثت اليابان إجراءات تتبع في المدارس عند توزيع الأطفال في الفصول حيث خصصت فصولا للأطفال الذين تمت رضاعتهم طبيعياً باعتبار أنهم أكثر ذكاء. !
فلبن الثدي يتمتع بقيمة غذائية عالية ويسهل هضمه في أمعاء الطفل بالإضافة إلى أنه معقم طبيعياً وهو دائماً في درجة حرارة مناسبة للطفل صيفاً وشتاءً. كما أنه يحتوي على ما يسمى علمياًبالأجسام المضادة التي تساهم في زيادة مقاومة الطفل.
أضف إلى أن للرضاعة أثرا ايجابيا على صحة الأم نفسها وذلك من عظيم فضل الله ومنّته .

خلاصة القول : أن صحة الطفل واعتدال مزاجه مما يضفي على الأسرة سعادة تستذوق طعمها وتستعذبها كالماء العذب على الظمأ

وهنا ينتهي الكلام حول ما يتعلق بأولى ثلاثيات البيت السعيد . . ألا وهي ثلاثية الأفراد . . .


المسكن
ثلاثية المسكن . . !
1 - الواسع .
2 - البيت المحصن بالأذكار .
3 – الجار الصالح .

السكن هو ثاني أركان البيت السعيد .
ولقد امتن الله تعالى على عباده بنعمة السكن فقال : ( والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها واشعارها أثاثا ومتاعاً إلى حين ) .
فالسكن نعمة من نعم الله العظيمة التي نغفل - حقاً - عن قدرها وشكرها حق الشكر . بل إن البعض استخدم هذه النعمة فيما يبغض الله تعالى بأن أدخل فيها ما يفسد أخلاق أهلها ودينهم وعقيدتهم ، ومن المسلمين من جعل بيته قبراً ، ومنهم من جعلها بيتاً للجن والشياطين ، ومنهم من تطاول بها فخرا وكبرياءً ..وهكذا نلمس في الواقع عظيم جهلنا بنعمة السكن وغفلتنا عن الشكر الحقيقي لهذه النعمة الجليلة .
وتأمل عظيم هذه النعمة - نعمة البيت والمسكن - في أنها:
- تستر العورات .
- وتحمي من هوام الأرض ومطر السماء .
- الشعور بالأمن والاطمئنان فيها .
- حرز من السرّاق والقطّاع .
- نقضي بها معايشنا .
- نأمن فيها على أعراضنا وأطفالنا وأثاثنا ومتاعنا .

إلى غير ذلك من فوائد ( السكن ) التي لا يشعر بها ولا يجد لذتها إلا من فقدها .
وتأمل العجب في وصف الله تعالى له بـ ( السكن ) قال تعالى ( والله جعل لكم من بيوتكم سكناً ) تسكن إليه أبدانكم ونفوسكم وتأنس بها ! فالسكون فيه معنى الهدوء والراحة والاطمئنان وقرة العين . ففرق بين البيت وبين السكن ، فمن البيوت مالا تكون سكناً بل تكون بيوت جحيم وشقاء وفزع وخوف - أجارنا الله وإياكم - فتأمل هذا واستشعر عظيم منّة الله عليك بهذا السكن .
وحتى يكون بيت الأسرة سكناً ( سعيداً ) وليكتمل به عقد السعادة الأسرية فإنه لابد أن يتميّز في ثلاث :
· المسكن الواسع .
ثبت في حديث سعد بن أبى وقاص رضي الله عنه – السابق - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( أربع من السعادة ) وذكر منها : ( المسكن الواسع ) فالسعة والوسع والتوسع أمر مباح في الشريعة دون مجاوزة به الحدّ .
والوسع في السكن أمر نسبي !
بمعنى أنه يختلف باختلاف الناس في نفوسهم وطبائعهم وأنماط حياتهم .
لكن تبقى صفة السعة صفة محمودة تجلب السعادة لأهلها ، وبقدر ما يوجد الوسع بقدر ما تزيد السعادة . والنفس مفطورة على حب السعة والتوسع ، فمن جوانب السعادة في المسكن الواسع أنه :

- ضرورة تربوية .
ففي المنزل الواسع بإمكان الوالدين أن يحققوا الأمر بالتفريق في المضاجع بين الأبناء .- على سبيل المثال -
ثم إن المسكن الواسع يساعد على تهذيب وتشكيل نفسية الأطفال تربويا كعامل مساعد :
لاحظ معي ذلك الطفل ذي الأربع السنوات كيف تكثر حركته بالمنزل !
فالطفل في هذه المرحلة العمرية بحاجة أن يبدد هذه الطاقة بكثرة الحركة واللعب ...لاحظ حين يكون المنزل واسعاً فسيجد الطفل الجو المناسب لتبديد هذه الطاقة ، كما أن والديه لن يحتاجا كثيراً إلى كثرة متابعته وتأنيبه على التكسير
وستختفي التربية السلبية نوعاً ما .. التربية التي تقوم على مبدأ ( لا ) !!
وفي المقابل لاحظ كيف يتغير أسلوب تربيتنا للطفل حين يكون المنزل ضيقاً :
اجلس لا تكسر ..
انتبه قد يقع عليك ..!
ألم اقل لك لا تلعب ؟!!!
كلها توجيهات سلبية قد تؤثر سلباً على تشكيل نفسية الطفل وخاصة في مثل هذه المرحلة من العمر والتي يسميها أصحاب علم نمو النفس ( مرحلة التمركز حول الذات ) !
الأمر الذي يجعل السعة في المسكن سر من أسرار السعادة .

- أضف إلى أن الوسع في المنزل مطلب جمالي . والله جل وتعالى ( جميل يحب الجمال ) .
ويبقى الجمال في السعة رونقا للسعادة حين لا يتعدى فيصل إلى غمط الناس والتفاخر والتعالي عليهم .
- ومع زيادة متطلبات الحياة . وتغير نمط الروتين في الحياة ؛ وتوسع دائرة المعارف والأحبة والأصحاب يجعل المسكن الواسع مطلب ملح وعلامة من علامات السعادة . .
غرفة للأطفال ، وغرفة للضيوف ، ومكتبة للكتب ، وصالة للطعام ، وغرفة للنوم ، ومخزن ..... وهكذا
على أنه ينبغي أن نلاحظ أن السعادة الأسرية لا تكتمل بالمسكن الواسع ، وإنما تكتمل باجتماع أسباب السعادة في جميع أركان الأسرة الثلاثة ( الأفراد - المسكن - المركب ) . على تفاوت في اعتبار أن بعضها أهم من بعض !
وإلا فكم من شقي في الدنيا وهو يسكن القصور ...
وكم من سعيد فيها وهو يسكن الدويرة والدور ..!!

· الحرز والتحصين من الشيطان الرجيم . .
الحرز والتحصين من الشيطان الرجيم أحد أسباب السعادة في المسكن .
لمّا كانت الأسرة هي نواة المجتمع ولبّه وأصل تكوينه حرص الشيطان أشد الحرص على إفساد هذه الأسرة وتفريقها وفك أواصرها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ؛ فعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا ) قال : ( ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته ) !!!
قال : ( فيدنيه منه ويقول نعم أنت ) قال : قال ( فيلتزمه )
من هنا عُلم أن من أهم أهداف إبليس : إفساد البيت المسلم وتصدّعه وتفرق أفراده .
فإن لم يستطع إلى ذلك سلك سبلاً أخرى في الإغواء وإفساد الأسرة بمحق بركتها وتزيين الرذيلة والفاحشة ، ليبقى كيان الأسرة هش البنيان فيعزل الأسرة عن أن تؤدي دورها الفاعل في المجتمع .
ولأجل ذلك ندبت الشريعة إلى مدافعة هذا العدو ومحاربته بالتحصن والحرز منه . فمن ذلك :
- قراءة سورة البقرة في البيت .
فعن عبد الله قال ( اقرؤوا سورة البقرة في بيوتكم فإن الشيطان لا يدخل بيتا يقرأ فيه سورة البقرة ) قال الحاكم :هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
فسورة البقرة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة)
قال معاوية بلغني أن البطلة السحرة .
وإن من أشد الأزمات التي تعاني منها بيوت المسلمين اليوم معاناة السحرة وما يقومون به من إفساد البيوت ، ومن هنا كان هذا التوجيه النبوي الكريم حماية وسياجاً وحرصاً على سعادة البيت المسلم في ظل الوحي .

- الصلاة في البيت وقراءة القرآن .
فعن بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال( صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا ) .
والمقصود تعاهد النوافل بأدائها في البيت ، فعن بن عمر رضي الله عنهما قال : حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل صلاة الصبح كانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين ) .
ومن مثل ذلك : ركعات الضحى ، وقيام الليل .وغيرها .
وصلاة النوافل بالبيت لها من الفوائد الجمّة سواء على البيت وعلى أفراده :
فهي حصن وحرز للبيت من الشيطان الرجيم .
كما أن من فوائدها تربية أهل البيت على إقامة الصلاة والمحافظة عليها .
وهذه إحدى السنن المهجورة التي غفلنا عنها ألا وهي سنة إقامة نوافل العبادات في البيت .

- إخراج كل ما يمنع دخول الملائكة من كلب أو صورة .
فعن أبي طلحة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ) .
وبقدر ما يخلو البيت من المنكرات والملاهي المحرمة بقدر ما يبعد عنها الشيطان ولا يكون له فيها من حظ أو نصيب .
واليوم اشتد البلاء بدخول أطباق الفساد والفجور من غير حسيب ولا رقيب ،الأمر الذي يقطف المجتمع اليوم جناه حنظلاً مرّاً !!

- الذكر عند دخول المنزل .
فالشيطان حريص على أن يشارك أهل البيت في معاشهم ليمحق البركة وتقع الفتنة فعن جابر بن عبد الله رضي الهل عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل فلم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت وإذا لم يذكر الله ثم طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء )

- قفل الأبواب عند المساء .
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا كان جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب ساعة من الليل فحلوهم فأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئا وأطفئوا مصابيحكم )

· الجار الصالح ..
وهو حقا عامل مهم في إيجاد البيت السعيد .، جاء في الأثر أربع من السعادة ومنها ( .. الجار الصالح ) .. ومن قبل القائل : الجار قبل الدار !!
وصلاح الجار أمر ليس بيد أي أحد .. لكن بمقدور الإنسان أن يختار الجار الصالح بالسؤال عن الجار قبل السكنى .
ولأهمية الجار الصالح فقد ندبت الشريعة إلى حسن اختيار الجار ، جاء في بعض الآثار ( شؤم الدار سوء الجار ) وجاء عند ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ( اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة فإن جار البادي يتحول )
الأمر الذي يدعونا إلى حسن الجوار وحسن اختيار الجوار .
ولنتأمل هذه القصة العجيبة لنرى كيف أن للجار أثرا على جاره في سلوكه أو سلوك زوجته وابناءه .
أخرج مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " .. كنا معشر قريش قوما نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم قال وكان منزلي في بنى أمية بن زيد بالعوالي فتغضبت يوما على امرأتي فإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني ! فقالت : ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل !!
فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! فقالت : نعم !
فقلت : أتهجره إحداكن اليوم إلى الليل ؟!
قالت : نعم ! قلت : قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا هي قد هلكت لا تراجعي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسأليه شيئا وسليني ما بدا لك ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك يريد عائشة..)
فتأمل كيف أن الزوجة تأثرت بسلوك جاراتها حتى زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم . الأمر الذي يجعل الجار الصالح عاملا مهما من عوامل السعادة في البيت والأسرة .

أثر صلاح الجار على سعادة الأسرة .
وتبرز جوانب السعادة الأسرية في جانب الجار الصالح :
- أن الجار الصالح يحفظ العورة ويستر العيبة .
فالبيوت أسرار ، والجار من أقرب الناس للأسرة ، بل ربما قد يعيش أحداث جاره سرورا وفرحاً من خلال علاقته بجاره أو علاقة الزوجة بزوجة الجار أو علاقة الأبناء بعضهم ببعض .
فهذا ولاشك يجعل من الأسرة والجار بيتاً واحداً في معرفة ما يدور فيه ، سيما أن كثيرا من النساء اعتدن عند الزيارات أن تتحدث كل امرأة عن واقع بيتها سلباً وإيجاباً ولا أدل على ذلك من قصة حديث أم زرع حين اجتمعت إحدى عشر امرأة عند عائشة رضي الله عنها وصارت كل واحدة منهن تذكر شأنها وزوجها !
فحين يكون الجار صالحاً فإنه سيحفظ الغيبة ويستر العيبة .
ولكم أن تتخيلو حياة اسرة بجوار جار لا يستر العيبة ولا يحفظ الغيبة .. هل ترون أنها أسرة سعيدة ؟؟!
حتى لو كان أفرادها على قلب واحد ؟؟!!

- أن صلاح الجار يعين على نشوء الأبناء في بيئة صالحة .
فإن الأطفال يتأثرون بغيرهم ممن هم في سنّهم ومرحلتهم ، والأمر يتضح بالضد حين يكون الجار جار سوء وله أبناء سوء فانظر كيف يظهر أثر سوءهم في أخلاق الأبناء وسلوكهم . فإن الأطفال مطبوع فيهم حب التقليد لغيرهم .
ومن جهة أخرى فإنه من عادة الأطفال فيما بينهم الشجار والخصومة ، فحين يكون الجار جار سوء فإنه قد يعكّر عليك صفو حياتك بسبب ما يحدث بين الأطفال .

- الجار الصالح يعين على نوائب الدهر .
فقد تمر الأسرة بفاقة أو حاجة فيكون الجار خير معين بعد الله ، وقد جاء في الحديث الصحيح الترغيب في هذا الأمر :
قال صلى الله عليه وسلم ( لا تحقرن جارة لجارتها ولوفر سن شاة ) .

- الجار الصالح يعين على طلب العلم والدعوة .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " .. كان لي جار من الأنصار فكنا نتناوب النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فينزل يوما وأنزل يوما فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك .."
وهكذا يتبن لنا دور الجار الصالح في تكميل السعادة واستقرارها على البيت المسلم . وفي سبيل رعاية هذا السعادة وحمايتها فإن الشريعة قد جاءت بالتحذير من كل ما من شأنه يؤثر على ذلك ، فمن ذلك :

- النهي عن إيذاء الجار .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ) .وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ( والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه ) .

- الأمر بالتوسيع على الجيران .
فقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إذا طبخت قدرا فكثر مرقتها فإنه أوسع للأهل والجيران ) .
فتأمل كيف جاءت توجيهات النبوة بالكفّ عن أذى الجيران والأمر إليهم بالإحسان كل ذلك حماية وسياجاً لإفشاء السعادة بين الناس وخاصة سعادة البيت المسلم .

اللهم إنا نعوذ بك من جار السوء في دار المقامة فإن جار البادية يتحول !!


المركب
ثلاثية المركب
1 - الهنيء .
2 - المتواضع .
3 - حصول المنفعة به .

1 - الهنيء .
الهنيء هو الوصف الذي ذكر في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ( أربع من السعادة : .. المركب الهنيء ) .
و( الهنيء ) صفة تطلق على الصلاح والعطاء واليسر والسهولة .
وهي صفات من فات السعادة ومداخلها .
فـ ( الهنيء ) هو الذي يأتيك بلا مشقة .
مشقة أي مشقة ..
فهو مركب حصل بغير مشقة في قيمته في البحث عنه ، ولم يكن باب مشقة في حفظه والعناية به ، والمقصود مشقة مرهقة أو مهلكة .
فكم تجد اليوم من يبذل نفيس ماله وحرّ رزقه في مركب فارهٍ مجهّز بأفضل التقنيات رغبة في شهرة أو أمر آخر .
فانظر مشقة هذا المركب في حصوله ، ثم انظر المشقة الحاصلة بحفظه والعناية به فسبحان الله كيف أن من الناس من يصيبه العناء والتعب والشقاء في مركب يبذل فيه نفسه ونفيسه ثم هو يشقى به ولا يسعد !!
ومن هنا فرفاهية المركب وفخامته ليس بالضرورة آية سعادة وهناء .
بل ربما كان صاحب هذا المركب من أشقى الناس بمركبه .
ثم انظر في مركب هذا شأنه كيف يحجز صاحبه من أن ينفع به وأن يعطي به العطاء الكثير خوفاً من تلفه أو نحو ذلك .
فكان المركب الهنيء هو المركب الذي يأتي بلا مشقة في حصوله ولا مشقة في حفظه وانشغال القلب به .. ثم هو مركب ( هنيء ) يحصل به العطاء الكثير لصاحبه ولغيره .

- 2 - المتواضع ..
لمّا كان المركب مما يُتخذ للتجمل كما قال الله تعالى : ( ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ) وقال والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ) فإنه صار من المتعين على المرء أن يعلم أن هذه نعمة من الله وفضل . وواجبه فيها الشكر لا الكبر . ولك أن تتأمل عظيم منّة الله تعالى على عباده بهذه النعمة في قوله : ( والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون . لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنّا له مقرنين . وإنا إلى ربنا لمنقلبون )
فتأمل كيف أن الله جعل المركب مسخّر للعبد لا أن العبد مسخر له ، ولذلك تعجب أشد العجب ممن تجده سخّر نفسه للمركب عناية وتلميعا والشقاء في سبيل ذلك .
وتأمل أيضا قوله ( وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) فيه تذكير وتنبيه إلى أن العبد منقلب إلى الله وراجع إليه فعلام الكبر والبطر ؟!
وحين كان جمال المركب مظنة التفاخر والتكبر ، فقد نهى صلى الله عليه وسلم من اتخاذ مركب الشهرة .جاء في مسند الروياني عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من ركب مركبا ذا شهرة أعرض الله عنه وإن كان عليه كريما )
وأي شقاء يكون للعبد حين يعرض الرب الرحيم الكريم عنه ؟!
وكم هي سعادة المرء حين يكون الله في معيته .
والإنسان يحتاج إلى معية الله تعالى وحفظه له ، فإننا اليوم نعيش ثورة حضارية جعلت المركب اليوم يختلف عما كان عليه من قبل ؛ فقد صارت مراكب اليوم مراكب سريعة وبأشكال وموديلات ومميزات تختلف عن ما يكون الحال في بعير أو فرس !
فإنك تقضي اليوم المسافة من مدينة إلى أخرى بأسرع وقت وبأقل تكاليف من المشقة والتعب ، ولمّا كانت هذه الوسائل الحديثة فيها مظنة الهلاك في حادث أو نحوه فإن العبد هنا يحتاج أن يتواضع في مركبه ليكون الله في معيته .
هذا جانب من جوانب السعادة في باب التواضع في المركب .
ونقرأ في السيرة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ركب مرة( برذوناً ) فأنكر نفسه فنزل من عليه وقال : إنما يركب هذا من لا خلاق له !! وذلك لما أحس في نفسه من التغيير ورؤية النفس !!

3 - حصول المنفعة به .( ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم ).
قال الله تعالى الله الذي جعلكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون . ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون )
فإن من غايات المركب أن تحصل به المنفعة من حمل الأثقال والتنقل كما قال الله تعالى : ( وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم ،والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة )
ومن أعظم المنافع التي تُحصّل بما سخره الله تعالى لعبده من المركب : استخدامه في الطاعة والمعروف :
- إغاثة ملهوف .
- المشي به في سبيل الله جهادا في طلب علم أو ضرب في الأسواق للرزق ..وهكذا..
ولذلك أثر عن بعض السلف أن من شقاء المركب أن لا يستخدم في جهاد أو طاعة!!
وتأمل عظيم فضل الله كيف أن حصول المنفعة من المركب تعطي البيت سعادة ورخاء من جهة حصول منافع أهل البيت بهذا المركب
وخصوصا في مثل زماننا الذي صار المركب فيه وسيلة من وسائل إدخال السرور والسعادة على البيت المسلم . سيما والحاجة إليه ملحّة بسبب تباعد الأوطان ، وتعدد الحاجيات واختلافها .
فبه يسافرون في أمن ورخاء ..
وبه يتنقلون من مكان لآخر في يسر وستر .
وبه يُنقذ مريضا - بإذن الله - ... وهكذا..
آما حين يكون المركب عاطلا متعطلا لا تحصل به منفعة ولا تتحقق به مصلحة فسيكون حينها مدخل تعب وضنك على أهل بيت مركبهم لا تحصل به منفعة والواقع يشهد بذلك .

اسأل الله أن يرزقنا وإياكم حياة سعيدة هنيئة في ظل طاعته ، وان يصرف عنّا وعنكم السوء والفحشاء .
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .


ناصح للسعادة الأسريـــة


( 3 ) ثلاثيات البيت السعيد ( 3 )


مهذب أبو أحمد


منقول


صناعة الذات .....أ . مريد الكلاب


صناعة الذات هي الفكرة التي تحدونا نحو هدف نسعى إليه بعزيمتنا , و نعرف أننا حقّقنا نجاحنا إذا استطعنا أن نصل إلى ما نريد .. إلى ذلك الهدف .. إلى ذلك النجاح .. هل أنتَ ناجح ؟ هل أنتِ ناجِحة ؟ هل نحن ناجحين في حياتنا ؟ دَعوني انطلق معكم في قصة ربما ترغبون سماعها .. ربما تريدون أن تسافروا معي إلى أحداثها .

قصة طموح , قصة نجاح , تلك القصة كانت شرارة انفجار لثورة من التقدم و الرّقي و الحضارة في اليابان تلك القصة هي قصة شاب اسمه تاكيو اوساهيرا ذلك الشاب خرج من اليابان مسافراً مع بعثةٍ تحوي مجموعة من أصحابه و أقرانه متجهين إلى ألمانيا , وصل إلى ألمانيا و وصل معه الحلم الذي كان يصبو إليه , و يراه بعينيه ذلك الحلم هو أن ينجح في صناعة محرك يكون أول محرك كامل الصّنع يحمل شعار صُنع في اليابان , ذلك حلمه , بدأ يدرس و يدرس بجد أكثر و عزيمة أكثر مضت السنوات سراعاً كان أساتذته الألمان يوحون إليه بأن نجاحك الحقيقي هو من خلال حصولك على شهادة الدكتوراه في هندسة الميكانيكا , كان يقاوم تلك الفكرة و يعرف أن نجاحه الحقيقي هو أن يتمكن من صناعة محرك , بعد أن أنهى دراسته وجد نفسه عاجزاً عن معرفة ذلك اللغز ينظر إلى المحرك و لازال يراه أمراً مذهلاً في صنعه غامضاً في تركيبه لا يستطيع أن يفكِّك رموزه .

جاءت الفكرة مرة أخرى ليحلق من خلالها في خياله و ليمضي من خلال خياله نحو عزيمة تملكته و شعور أسره , تلك الفكرة : ( لابد الآن أن أتَّخذ خطوة جادة من خلالها أكتشف كيف يمكن أن أصنع المحرك ) .

إخواني الكرام , أخواتي الكريمات : صدقوني النجاح الذي نحصل عليه ينطلق من خلال فكرة نصنعها نحن و نمضي نحن في تحقيقها , تلك الفكرة مضى ذلك الشاب ليحققها , فحضر معرض لبيع المحركات الايطالية , اشترى محرك بكل ما يملك من نقوده , أخذ المحرك إلى غرفته , بدأ يفكك قطع المحرك قطعةً قطعة , بدأ يرسم كل قطعة يفكِّكها و يحاول أن يفهم لماذا وُضعت في هذا المكان وليس في غيره , بعد ما انتهى من تفكيك المحرك قطعة قطعة , بدأ بتجميعه مرة أخرى , استغرقت العملية ثلاثة أيام , ثلاثة أيام من العمل المتواصل لم يكن ينام خلالها أكثر من ثلاث ساعات يومياً كان يعمل بجدٍّ و دأب , في اليوم الثالث استطاع أن يعيد تركيب المحرك و أن يعيد تشغيله مرة أخرى , فرح كثيراً , أخذ المحرك , ذهب يقفز فرحاً نحو أستاذه , نحو مسئول البعثة و رئيسها : استطعت أن أعيد تشغيل المحرك , بعدما أعدت تجميع القطع قطعة قطعة , تنفس الصعداء , شعر بالراحة : الآن نجحتُ , لكن الأستاذ أشار إليه : لِسّا , لِسّا ما نجحت , النجاح الحقيقي هو أن تأخذ هذا المحرك , و أعطاه محرك آخر : هذا المحرك لا يعمل , إذا استطعت أن تعيد إصلاح هذا المحرك فقد استطعت أن تفهم اللغز , تجربة جديدة , أخذ المحرك الجديد , حمله و كأنه يحتضن أعزّ شيء إليه , إنه يحتضن الحلم , إنه يحتضن الهدف , وراح يمضي بعزيمة , دخل إلى غرفته , بدأ يفكك المحرك من جديد , و بنفس الطريقة , قطعة قطعة , بدأ يعمل على إعادة تجميع ذلك المحرك , اكتشف الخلل , قطعة من قطع المحرك تحتاج إلى إعادة صهر و تكوين من جديد , فكر أنه إذا أراد أن يتعلم صناعة المحركات فلا بد أن يدرس كعاملٍ بسيط , كيف يمكن لنا أن نقوم بعملية صهر و تكوين و تصنيع القطع الصغيرة حتى نستطيع من خلالها أن نصنع المحرك الكبير .

عمل سريعاً على تجميع باقي القطع بعد أن اكتشف الخلل و استطاع أن يصلح القطعة , ركب المحرك من جديد , بعد عشرة أيام من العمل المتواصل , عشرة أيام من الجد و العزيمة , لم ينم خلالها إلا القليل القليل من الساعات , في اليوم العاشر , طربت أذنه بسماع صوت المحرك و هو يعمل من جديد , حمل المحرك سريعاً و ذهب إلى رئيس البعثة: الآن نجحت , الآن سألبس بدلة العامل البسيط و أتّجه لكي أتعلم في مصانع صهر المعادن , كيف يمكن لنا أن نصنع القطع الصغيرة , هذا هو الحلم , وتلك هي العزيمة , بعدما نجح رجع ذلك الشاب إلى اليابان , تلقّى مباشرة رسالة من إمبراطور اليابان , وكانوا ينظرون إليه بتقديس و تقدير , رسالة من إمبراطور اليابان ! ماذا يريد فيها ؟ : أريد لقاءك و مقابلتك شخصياً على جهدك الرائع و شكرك على ما قمت به . رد على الرسالة : لا زلت حتى الآن لا أستحق أن أحظى بكل ذلك التقدير و أن أحظى بكل ذلك الشرف , حتى الآن أنا لم أنجح , بعد تلك الرسالة , بدأ يعمل من جديد , يعمل في اليابان , عمل تسع سنوات أخرى بالإضافة إلى تسع سنوات ماضية قضاها في ألمانيا , كم المجموع ؟ أمضى تسع سنوات جديدة من العمل المتواصل استطاع بعدها أن يحمل عشرة محركات صُنعت في اليابان , حملها إلى قصر الإمبراطور الياباني , وقال : الآن نجحت , عندما استمع إليها الإمبراطور الياباني و هي تعمل تَهلّل وجهه فرحاً , هذه أجمل معزوفة سمعتها في حياتي , صوت محركات يابانية الصّنع مئة بالمئة , الآن نجح تاكيو اوساهيرا , الآن استطاع أن يصنع ذاته عندما حَوّل الفكرة التي حلّقت في خياله من خلال عزيمته إلى هدف يراه بعينيه و يخطو إليه يوماً بعد يوم , عندما وصل إلى ذلك الهدف استطاع أن ينجح , في ذلك اليوم صنع ذاته , صناعة الذات انطلقت من ذلك الشاب ليتبنّاها كلّ عامل ياباني يرفع شعار : إذا كان الناس يعملون ثمان ساعات في اليوم سأعمل تسع ساعات : ثمان ساعات لنفسي ولأولادي و الساعة التاسعة من أجل اليابان , تلك المعنويات جعلتنا نقول العالم يلهو و اليابان يعمل , جعلتنا نفتخر بملبوساتنا و بمقتنياتنا لأنها صُنعت في اليابان .

كلام رائع , كلام جميل , أعرف ما يدور في أذهانكم , أين الفرصة ؟ أين الظّروف المواتية ؟ أنت تتكلم عن ظروف مُهيأة ! صناعة الذات اذهب و اعمل على إلقائها في مكان آخر , أنا أمامي الكثير من العقبات , أمامي الكثير من الحواجز , و أنت تحدّثني عن الفكرة و الطّموح و العزيمة و الأهداف , حَدِّثني عن المشاكل التي تُحيطُ بي أولاً , أليسَ كذلك ؟ ربّما تدور هذه الفكرة في عقول بعضنا الآن , دعوني أحدّثُكم عن واقع آخر و عن تجربة أخرى , هي أكثر تألّقاً وأكثر طُموحاً , تجربة بدأت و انطلقت من رَصيف في بيروت عاصمة لبنان , ذلك الرصيف كان ينام عليه شابٌ صغير , من أين أتى ذلك الشاب إلى هذا الرصيف ؟ أتى من بيت عمه الظّالم , عمه القاسي بعد أن تُوفيت أمه و تُوفي أبوه ولم يَعد له أحد غير ذلك العم , الذي قال له يوماً وبصراحة : لقد أَثقلتَني و لم أعد قادراً على تَحمُّل مصاريفك , اذهب إلى الشارع , خرج الطفل الصغير نحو الطريق الواسع , راحت خُطواته تتبعثر حائرة : إلى أين أذهب ؟ وجد المكان المناسب , رصيف ممتد ! فوق الرصيف إنارة صفراء ! وبجواره صندوق كبير للمهملات و النفايات ! موقع رائع ! الرّصيف هو المأوى والنور هي مصدر الأُنس و صندوق النفايات هو المصدر للطعام , كانت تلك هي المواصفات , تلك هي البيئة بدأ الشاب ينام فوق الرصيف و تحت الإنارة و يأكل بقايا الطعام التي كان يجدها ملفوفة في بعض الصُّحف المرميَّة , بعدما يأكل كان يتصفّح الصحيفة و بالكاد كان ينظُر إلى الصور التي يختفي أجزاء منها نتيجة بُقع الزّيت العالقة كان يقرأ بالكاد بعض الأسطر و الكلمات . انقَدحت في ذِهنه فكرة , حلَّقت في ذهِنه فكرة , بينما كان يُقلِّب عينيه في صحيفة ممتلئة ببقايا الطعام , فكّر لماذا لا أَكون صحفياً ؟ لماذا لا أكون كاتباً ؟ لماذا لا أكتب و أنا صاحب تجربة كبيرة ؟ كم من الناس نام فوق الرّصيف بجوار صندوق النِّفايات و تحت الإنارة الصفراء ؟ أنا ! تلك ميزة , أنا متميز ! لا بد أن أَتعلّم حتى أكون صحفي و حتى أَتعلم لابُدَّ أن اعمل , أشرق الصباح و أشرق الطُّموح في نفسه , انطلق صاحبنا يبحث في العاصمة عن مُؤسسات صحفية تفتح له ذِراعها حتى يعمل فيها أيّ شيء . بحث و بحث , بحث حتى كَاد أن يَيأس لكنه أَخيراً وجد الفُرصة , وظيفة مُناسِبة , وظيفة يعمل فيها بالمساء حتى يدرس صباحاً تِلك الوظيفة عامل بسيط يمسح الطّاولات , طاولات الموظفين , و المكائن , مكائن الطباعة , وظيفة مُناسِبة على الأقل تَضمن له أن يقرأ كل يوم صحيفة نفس اليوم بدون أي بُقع و بدون أي زيت يلطِّخ الصور و أسطر المقالات بدأ يعمل , كان يعمل بعزيمة , كان يعمل على تنظيف الطاولات و كأنه رئيس تحرير تلك المؤسسة , لأنه يعمل و يرى بعينيه الطموح و الهدف الذي يسعى إليه . كان يعود إلى ذلك المكان و ينطلق بكتابة مُذكراته و خواطره و يكتب و يكتب صنعت منه التجربة كاتب يفجر المعاني من خلال كلمات مُتألقة في يوم من الأيام كان يحمل الدفتر و يمشي ببراءة الشاب الصغير يمشي بخطى سريعة في أحد أسياب تلك المؤسسة و أحد ممراتها فجأة ارتطم برجل يظهر عليه الكِبر في السن : أنا آسف , ذلك الرجل كان مُؤدباً و كان من أدبه أنه التَفَت إلى الدفتر الذي وقع على الأرض من يد ذلك الشاب عندما وقع الارتطام و وقع الحادث عندما اصطدم , نزل ذلك الرجل و أخذ الدفتر و اعتذر من الشاب الصغير و قدم الدفتر له ثم تَساءَل : هل تعمل في هذه المؤسسة ؟ قال : أنا أعمل منذ أشهر , أوه ما شاء الله تعمل عندنا , أنا رئيس تحرير هذه الجريدة , ما هذا الدفتر الذي في يَدك ؟ هذي خَواطِري أكتُب فيها وو ,,, ( الآن جاءت الفرصة ) : هذه خواطري أكتب و أنظر لعلّك تقرأ بعض الصّفحات , قال : تفضّل معي في مكتبي حتى أقرأ خواطرك , ذهب معه إلى المكتب , بدأ يقرأ الخواطر , فإذا بها تنطِق عن تجربة و تنطِق بمعاناة و تَتحدث عن مأساة و لذلك كانت صادقة , أعجب بهذه الموهبة الواعِدة , وعده أن يدعمه حتى يستمر في التطوير ونشر له مقال في تلك الجريدة فكانت أول انطلاقة , كان ينظر للمقال فلا يرى فيه مقالاً من عِدة أسطر و إنما يرى فيه الحلم , يرى فيه الطموح , يرى فيه الهدف , استمر ذلك الشاب ... لن أسرد عليكم باقي القصة بأكملها , القصة طويلة لكني أريد أن أقول لكم أن ذلك الشاب استطاع أن يكون رئيس تحرير تلك الجريدة ثم استطاع أن يمتلك تلك الجريدة ثم استطاع أن يمتلك أكبر مؤسسة صحفية في لبنان , استطاع أن يصنع ذاته , من أين بدأ رحلته مع صناعة الذات؟ بدأ بفكرة , تلك الفكرة التي انعكست من خلال ميزة رآها في نفسه تلك الميزة كانت كَفيلة بأن تجني عليه وأن تقضي عليه , تلك الميزة هو أنه شاب صغير يتسكّع في الطّريق بلا عائل و بلا مأوى . تلك ميزة ؟ أم سلبِيّة ؟ تلك إيجابية ؟ أم مصيبة ؟ لو نظر لها على أنها سلبية لكانت قادرة على أن تُحطم حياته لكنّه نظر إليها على أنّها ميزة يمتاز بها و فكر كيف يستطيع أن ينطلق من خلالها حتى يستطيع أن يأسر قلوب الناس عندما يكون صحفي يتكلم عن معاناته , أنا أسألكم سؤال , أخواتي الكريمات , أسألُكن سؤالاً : كُلٌّ منا يسأل نفسه , ما هي مميزاتي , ايش هي الأشياء التي أَمتازُ بها , هل عندكَ مميزات , هل عندكِ مميزات , من خلال تلك الميزات هل نستطيع أن نكون أفضل ؟ هل نستطيع أن نوظِّفها حتى نصنع ذواتنا ؟ حتى نُحقِّق نجاحنا ؟ هل نظر الواحد مِنا مرة إلى المرآة ؟

بالتَّأكيد , تذكر آخر مرة نظرت فيها إلى المرآة , تذكري أختي الكريمة آخر مرة نظرتي فيها إلى المرآة , ماذا وجدتم ؟ ماذا رأينا في المرآة ؟ وجدت نفسك بالتأكيد ! عندما وجدت نفسك , ايش وجدت فيها ؟ ماذا رأيت في نفسك من ميزات ؟ هل جلسنا لنفكر , ما هي الأشياء الحقيقية اللي احنا نمتلكها , و من خلالها نستطيع أن نكون أفضل ؟

اتصلت عَليَّ إحدى الأخوات , لا أعرفها , سألتني سؤالاً كان يحكي المعاناة , و يحكي التجربة المريرة , و يحكي الّلوعة التي تجدها في نفسها , كان ختام سؤالها : أُريد أن أنتحر اليوم ! ايش رأيك ؟ ما هي قِصتها التي جعلتها تُفكر بأن تنتحر ؟ تقول : عندما كنتُ صغيرة , في سن العاشرة أو التاسعة من عمري , احترق المطبخ , و كنت في داخل المطبخ , فاحترق جسمي , و احترق وجهي , واحترقَت أرجلي و يديها احترقت , وكلها احترقت , و أُصيبت بتشويه بالغ جداً جداً , وبالرغم من كُل عمليات التجميل إلا أنها استمرت مُشوَّهة إلى درجة تُعبر عنها بأنها درجة مُقزّزة لمن ينظر إليها , تقول : و مع ذلك , حاولت أن أصبر , حاولتُ أن أتكيّف مع الحياة , أكملت دراستي , أنهيت دراستي المتوسطة , أنهيت دراستي الثانوية , دخلتُ الجامعة , كنت أنظر لنظرات الأخريات إليّ فأجد اللوعة تعتصِرُني , كانوا ينظُرون إليّ برحمة , لكني كُنت أحترق , أحترق , أحترق من تلك الرحمة التي أراها في قسمات وجوههم , لا أُريد أحد أن يرحمني , لا أريد أحد أن يُشفق علي , لا أريد أحد أن ينظر إليّ لا أريد أحد أن يتعاطف معي , كانت تلك المشاعر تخنُقني و بالرغم من ذلك أكملت دراستي الجامعية , و أنا الآن وصلتُ إلى الصفر لا أستطيع أن أواصل , عندما أنهت حديثها , قلتُ لها : أختي الكريمة , هل تسمحي لي أن أتحدث إليك بميزة رائعة اكتشفتُها فيك , خلال هذي الدّقائق التي تحدثتِ معي من خِلالها اكتشفت فيكِ ميزة رائعة , أريدُكِ أن تكتشفيها في نفسك , و إذا اكتشفتيها في نفسك , حرام عليك أن تهدري هذه النّفس الرائعة التي تمتلك تلك الميزة الفذّة , تساءَلَت : أنا عندي ميزة , كيفَ عرفت ؟ و ايش هي الميزة ؟ أنا أمتلك شيء جيد , ما هو ذلك الشيء الجيد ؟ كانت تتساءل بذُهول , بِحَيْرة , قلت لها : أُختي الكريمة : أَنتي تمتلكين إِرادة , أَنتي تَمتلكِين عَزيمة , أنتي تمتلكين صبر لا يُذكِّرني إلا بقول ذلك الشاعر الذي كان يقول :

صابرَ الصبرَ الصبورُ حتى قال الصبرُ للصبور دعني

هذا واحد صبور , جاء الصبر يتحداه , الصبر يتحدى الصبور يقول له : أنا أتحداك أن تصبر أكثر مني , و بدؤوا في المنافسة .

صابرَ الصبرَ الصبورُ حتى قال الصبرُ للصبور دعني

فُكّني , خلاص ارحمني , أنا لا استطيع أن أنافسك .

والله أنتِ تمتلكين إِرادة أكثر من طبيعية , بدأت نفسها تَتفتّق أملاً , بدأ الطُّموح يُشقّق بيضة اليأس لِيُخرج رأسه و ينظر إلى الحياة المشرقة التي يمكن لها أن تنطلق إليها إذا ما اقتنت تلك الفكرة و حملتها معها .

وماذا أستطيع أن افعل من خلال تلك الميزة !

اووه , تستطيعين أن تفعلي الكثير , تستطيعين أن تكوني أكثر من عادية في خِدمتك للأُمة و للمجتمع و للناس لأنَّك أكثر من عادية من خلال هذه العزيمة و الإرادة القوية , أنا أعرف الكثير من الناس لو امتلكوا خَمسة بالمئة من تلك العزيمة لنقلوا الجبال من أماكنها , تَشجَّعت , تَحَمّست , انطلقت ...

جاءتْني الأخبار بأنّها الآن وفي هذا اليوم الذي أُحدِّثكم فيه تدير أكبر و أنشط و أوسع مدرسة لتحفيظ القرآن , تخدم النساء في مدينتها , وفي منطِقتها التي تسكن فيها , إذا نَظرنا إلى النُّقطة المظلمة فلن نُشاهد المساحة البيضاء من حولنا , إذا نظرنا إلى نُقطة الضعف فلن نَنظر إلى مزايانا التي نجدها و نحصل عليها بمجرّد أن نراها , هل نعرف ما هي مُميِّزاتنا ؟ هل نعرف ما هي الأشياء التي يمكن من خلالها أن نُحقِّق نجاحاتنا كُلكم تريدون أن تعرفوها و أهم من أن نعرف مُميزاتنا , هو أن نُفكِّر كيف يُمكن لنا أن نُحوِّلها إلى نجاح ؟ و أن نُحوِّلها إلى خطوات نصل من خلالها إلى ما نريد .

صديقي خالد , حبيبٌ إلى قلبي , كان يمتلك ابتسامةً أجمل إشراقاً من البدر المُتلألئ في ليلةِ الخامس عشر من الشهر ابتِسامتُه كانت أخّاذَة , قلت له مرةً : أنت تمتلك ميزة رائعة , ابتِسامتك الفذّة , ابتِسامَتك المُنْسابة على قَسمات وجهك والتي تسحر الأنْظار التي ترنوا إليك تجعل منك بارعاً في الاتّصال بالآخرين و في تكوين العلاقات معهم , كان صاحبي موظف بسيط في أحد الشركات الكبيرة, ترنّحَت في عقله تلك الفكرة , قَلّبها أكثر , رَاجعها , درسها , اتّصلَ علي : أنت تقول أن هذه الابتسامة مِيزة , و من خلالها استطيع أن أكون رجل علاقات عامة ناجح , صح , ما رأيك بأن أضع نصب عيني هذا الهدف أريد أن أكون مدير علاقات عامة في شركتنا العملاقة و الضخمة , ممتاز ماذا ينبغي علي أن اعمل ؟ أضف إلى ابتسامتك مهارات في الاتصال , أضف إلى ابتسامتك مهارات تحتاجها في العلاقات العامة و ضع على رأسها ابتسامتك لكي تُتَوِّجها , عند ذلك تنجح , لم يكن المشوار طويلاً , سنة ونصف , قفز قفزة , كان صاحبي يتقَاضى راتب مقداره ألفين و خمسمئة ريال , صاحبي اليوم يَتقاضى راتب مقداره ستة عشر ألف ريال , الطموح انطلق من خيال , بدأ من فكرة , انتهت الرحلة بالهدف الذي نريده و ليتنا نستمر مُحلِّقين في تلك الأفكار , لكن تعال بنا يا مُحدِّثنا إلى الواقع , الكثير من الظروف , البيئة , المجتمع , الناس من حولنا , أحد الذين يديرون في رأسهم تلك الفكرة يذكرني بصديق لي اسمه أحمد ماهر و أُسمّيه أحمد ماهر صاحب الحظِّ العاثر , و استأذَنتُه بأن أتحدث عن اسمه و عن تجربته في أيّ لقاء ألتقي من خلاله أحبة لي أمثالكم أيها الكرام , أحمد ماهر صاحب الحظ العاثر عندما كان يدرس في المرحلة الثانوية كان بليداً متأخراً في دراسته , ايش المشكلة يا أحمد ؟ الأساتذة لا يُحسنون الشرح ! و الله غلطانين ! أحمد ماهر بخطىً متثاقلة تجاوز الثانوية و دخل إلى الجامعة , بعد أول ست أشهر من الجامعة عمل على تحويل القسم الذي يدرس فيه , ليش يا أحمد ؟ عندي دكتور لا يفهم ! المشكلة أن التخصص الجديد الذي انتقل إليه للأسف وجد فيه دكتور آخر لا يفهم ! ترك الجامعة ! أحمد ماهر بحث عن وظيفة , أحمد ماهر وجد وظيفة , أحمد ماهر بعد شهرين , طُرد من وظيفته , ليش يا أحمد : مُديري مُتسلِّط , مديري لا يريد مصلحة العمل , مديري لا يفهمني , أحمد ماهر تزوج , مبروك يا أحمد , أحمد ماهر بعد ست أشهر طلق زوجته , ليش يا أحمد , زوجتي لا تفهم , أسألكم سؤال , أسألكنّ سؤال : من الذي لا يفهم ؟ أحمد ماهر صاحب الحظ العاثر لا يفهم لأنه يلقي بالمسؤولية على عاتق أي أحد , كثير منا في رحلته لصناعة الذات أول ما يجد كبوة أو عقبة يلتفت حوله : من المسئول ؟ من المسئول ؟ من المسئول ؟ كان الأحرى به أن يفكر كيف يمكن لي أن أعالج هذه المشكلة بنفسي كيف يمكن لي أن أتحمل المسؤولية و أن أفكر في الحل .

دعوني أحدثكم عن قصة إذا تحدثت عنها وقفتُ إجلالاً لبطلة تلك القصة , بطلة تلك القصة أراها دائماً كلما رأيتها ضربت لها تحية إجلالاً و احتراماً و تقديراً , بطلة تلك القصة أعرفها تماماً وكل واحد منكم في هذه القاعة يعرفها تماماً , أنا رأيتها وكلٌ منكم سبق وأن رآها , تلك البطلة نراها في بعض المرات تمشي على الجدار تتسلق بعزيمة و بطموح و بقوة وبأمل ترى هدفها بعيداً , قريباً من السقف ربما يكون هدفها نقطة أو حبة سكر وربما يكون هدفها شيئاً حلواً يسيل على طرف الجدار وربما يكون هدفها أن تعود إلى مسكنها في ثقب أحد أفياش الكهرباء في الجدار و هي تحمل على كتفها حبة أرز حملتها مشواراً طويلاً تصعد إلى لجدار فيأتي أحد العابثين يضربها بيده فتسقط على الأرض و مع ذلك تقوم بسرعة و بنشاط و بطاقة عالية تحمل حبة الأرز و تعود لتصعد من جديد لأنها هي المسئولة عن الوصول و ليس الذي ضربها تلك البطلة المحترمة هي النملة من منكم سبق له و أن وطأ نملةً بقدمه , حرام عليه حبيبتي النملة لا تطؤوها بأقدامكم , النملة إذا سقطت على الأرض تعرف أنها هي المسئولة عن النجاح الذي تريد أن تحققه و لو استجابت لك وأنت تلاحقها بأطراف أصابعك أو لو استجابت لكي و أنتِ تلاحقينها بأطراف أصابع المكنسة لما حققت هدفها يوماً من الأيام تلك النملة علّمتنا كيف نتحمل المسؤولية و علّمتنا كيف يكون الذي يتحمل المسؤولية محترماً مقدراً لدرجة أنه يذكر في القرآن , كلّنا قرأنا قوله سبحانه و تعالى ((حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ )) هل قرأتم تلك الآية ما هي قصتها .. سليمان عليه السلام يسير وخلفه الجيش الكبير يسيرون سراعاً أمامهم من بعيد مجموعة من النمل يسعون في طلب الرزق حول بيتهم , النمل ينظر مذهولاً للجيش القادم من بعيد , من بين النمل الذي أطال النظر للخطر القادم نملة واحدة كانت مبادرة راحت تصرخ : أيها النمل ادخلوا مساكنكم , راحت تحذرهم , تلك النملة هل كانت مديرة النمل هل كانت قائدة النمل ؟ ربما كانت الشغالة و ربما كانت السائق الله أعلم , لكنها هي التي ذكرت في القرآن لأنها هي التي تحملت المسؤولية وهي التي راحت تصرخ محذرةً النمل : اهربوا , عودوا إلى مساكنكم احذروا من الخطر القادم , تلك النملة كانت حَريةً بأن نحترمها و أن نقدّرها هل سبق لأحدِنا أن كان ماراً في الطريق و شاهد زجاجةً منكسرة على الأرض فتركها وقال هذا شغل البلدية , لو كان ذلك الشخص يمتلك مبادرة النملة لجمع الزجاج و قال ليست المسؤولية مسؤولية البلدية و إنما نحن جميعاً نتحمل المسؤولية , تلك المسؤولية على الأقل من باب إماطة الأذى عن الطريق , الذي يتحمل المسؤولية سيجد مئة مبرر لكي يحملها و أول تلك المبررات هو أن السبيل الوحيد نحو النجاح هو تحمل المسؤولية , بإمكاننا أن نبقى طويلاً داخل خيمة الفشل و نرمي على عاتق الآخرين كل ما يُصيبنا و كل ما يُعيقنا وكل ما يقف في طريقنا , و بإمكاننا أن نفكر كيف يمكننا أن ننطلق برغم الظُّروف التي نحن فيها , كيف يمكننا أن نكون أفضل برغم ما نحن عليه الآن ؟ شيءٌ واحد هو الذي يجعلك تندفع نحو إيجاد الحل لأي مشكلة تواجهك في طريق رحلتك لصناعة ذاتك ذلك الشيء هو أن تفكر بأن هناك العديد من الحلول هناك العديد من الأشياء التي يمكنك أن تصل إليها بمجرد أن تراها , أجدني مضطراً لأن أحكي لكم هذه القصة التي تحرك في نفسي مشاعراً لستُ أُدرك معناها ولستُ أفهم محتواها تلك القصة سأخبركم بها كما حدثت , كان والدي يُحب أن يبذل الخير للناس يحب أن يساعد الآخرين يحب أن يقف إلى جانبهم , كان محبوباً منهم جميعاً , كانوا يحبونه , و في يوم من الأيام ركب والدي سيارته و سافر من المدينة التي يسكنها إلى مدينة أخرى , بينما هو في الطريق شاهد رجلين يؤشران له : توقف , و أوصلنا على طريقك , مباشرة أوقف السيارة , للأسف الشديد لمجرد أن أوقف لهما السيارة أقبلا على السيارة بسرعة فتحا الباب , أنزلاه من السيارة , أخذا ما معه من نقود , ضرباه , فتحوا شنطة السيارة و رموه في الشنطة و أغلقوا عليه الشنطة , لماذا ؟ أخذتم النقود , اتركوه , لا , حتى لا يستطيع أن يتصل بالشرطة و تدركنا على الطريق , حتى يكسبوا وقت أكثر , والدي داخل حقيبة السيارة داخل شنطة السيارة , يصرخ , أخرجوني , ساعدوني , أنقذوني , بدأ يصرخ يصرخ يصرخ لا أحد يستمع , لا أحد يجيب لم يكن بقرب السيارة أي أذن تصغي إليه ولا أي عين تنظر إليه مضى الوقت بطيئاً بطيئاً بطيئاً كان يعاني من حرارة وجوده داخل شنطة تلك السيارة , في اليوم الثاني تفاجأ أحد المارّة تفاجأ بأنه مرّ أكثر من مرة و وجد نفس السيارة واقفة , اتصل مباشرة على الشرطة , احضروا هناك سيارة واقفة في مكان غريب , اقتربوا من السيارة بدؤوا ينظرون إليها فتشوا السيارة , فتحو الحقيبة وجدوا والدي داخل حقيبة السيارة لقد توفى , أخرجوه من الحقيبة , بدأ العزاء , جاء الناس يُعزّون جئتُ أنا منذهلاً مستغرباً حزيناً متسائلاً نظرت إلى السيارة نفس السيارة كانت تقف عند باب البيت , فتحت حقيبة تلك السيارة دخلت إلى داخلها , أغلقت على نفسي باب الحقيبة بدأت أتساءل كيف حصل الموقف , شاهدتُ في سقف الباب بعض الضّربات التي كانت تدُل على أنه كان يضرب بقوة لعله يسمع صوته لأحد, أيّ أحد بدون جدوى نظرت فوجدت ركن الإنارة الخلفي مكسور يبدو أنه كسر ركن الإنارة لعله يتنفس بعض الهواء , عرفت السبب , لقد مات من شدة الحرارة , الآن أنا انتبهت , طيب أنا الآن أريد أن أخرج من شنطة السيارة , السيارة نسيت أني أغلقت شنطتها أغلقت الحقيبة أريد أن أخرج , بدأت أطرق في نفس المكان الذي كان يطرق عليه والدي بدأت أصرخ , لكن أحداً لم يستمع إلي , نظرت إلى ركن الإنارة الخلفي المكسور , كسرته أكثر , أخرجتُ يدي , لعلّ الأذن التي لا تستمع لي تنتمي إلى وجهٍ فيها عين تنظر إليّ بالفعل نجحت بدأت أؤشر , أخي من بعيد نظر إلى يدي تخرج من حقيبة السيارة , عرف أنني في داخلها , اقترب : ايش اللي دخلك داخل حقيبة السيارة, أخرجني الآن و بعدين نتفاهم , يا أخي يدك خارج الحقيبة الآن , اضغط على مفتاح الشنطة ستفتح لك الشنطة وستخرج منها , أضغط على مفتاح الشنطة ! صح , ضغطت على مفتاح الشنطة و انفتح الباب خرجت , لكن والدي بقي يومين داخل الشنطة ولم يضغط على المفتاح و لم يخرج و مات , تلك القصة جعلتني أفكر , تلك القصة واقعية , هي بالفعل لم تحدث مع والدي , لكنها حدثت مع والد شخص آخر , تلك القصة قرأتها و كما قرأتها نقلتها لكم نصاً تلك القصة أفادتني بأنّنا مهما بقينا نفكر في المشكلة فلن نصل إلى الحل أبداً , كان ذلك الرجل والد ذلك الرجل في داخل حقيبة تلك السيارة يفكر لمدة يومين أنه داخل السيارة و أنه داخل الحقيبة , و أنه لا يستطيع أن يخرج منها , كل تلك الأفكار كانت تدور في دائرة واحدة , تلك الدائرة هي المشكلة كل اللي كان ينبغي عليه أن يبحث عن الحل وليس عن المشكلة , بمجرّد أن يبحث عن الحل سيُخرج يده ويضغط على مفتاح شنطة السيارة , كثيرٌ منا عندما يجلسون يتحدثون , أرخوا آذانكم إلى حديثهم , ثمانين بالمئة من أحاديثنا تدور في دائرة المشكلات , في دائرة الهموم , في دائرة الأشياء التي لا نستطيع أن نغيِّر فيها شيئاً , لو استطعنا أن نجعل هذه النسبة ثمانين بالمئة من حديثنا عن الأشياء التي نستطيع أن نغيِّر فيها , عن الأشياء التي نستطيع أن نقوم بها , فكّر دائماً , فكّري دائماً , كل ما نقع في مشكلة ينبغي أن نُفكّر , إذا أردتُ أن أصنع ذاتي ماذا أستطيع أن أفعل أنا حتى أصل إلى ما أريد ؟ و ليس ما يفعله الآخرون , دعوني أضرب لكم مثل بسيط , خرجتَ إلى عملك , و أنت في الطريق تفاجئت الزحام المعتاد , ياالله , زحامُ الصباح , السيارات المزدحمة التي تملأ الطريق و الدقائق الميتة التي تضيع سدىً و اللحظاتُ الثقيلة التي تجعل النفس مريضةً مكتئبة , كل يوم على هذه الحالة , أليس كذلك , ما رأيُكم , هذه التجربة اللي يمر بها الكثير , هذا متضايق و ذلك يتأفّف و الآخر عينه تقدح شرراً حتى أنك لو نويت أن تتجاوزه , صرخ في وجهك , كيف عرفت أنا نويت , مجرد أني نويت , متحفز , كل التفكير في المشكلة أليست مشكلة ؟ دعونا ننتقل من دائرة التفكير في المشاكل دعونا ننتقل من دائرة الهموم دعونا نفكر في الحل لأنني مهما بقيت أقول أنه هذه مشكلة سأبقى حتى بعد عشرين سنة وأنا أقول هذه مشكلة دعونا نفكّر في الحل , لمجرد أن تلتفت للتفكير في الحل ماذا ستجد , حلاً واحداً , عشرة حلول , مئة حل , أنا أعطيكم , أحد تلك الحلول التي يمكن أن تراها لمجرد أن تلتفت إلى الحل , و أنت في زحام الطريق حوِّل تلك الدقائق الميتة إلى دقائق عالية الإنتاج , حوّل تلك النفس المُتضايقة إلى نفس مُفعمة بالحيويّة و النّشاط هل تستطيع أن تحوِّل طريقك المزدحم و بقاءك في سيارتك إلى برنامج علمي , إلى محاضرة تستفيد منها , إلى دورة تدريبية تحضرها , اقتني العديد من ما يفيدك استماعه واجعله معك في سيّارتك بدلاً من أن تتأفّف في الزِّحام استمع لما يدعوك إلى التفاؤل , ستصل إلى عملك أو ستصل إلى بيتك و أنت عائد إليه وأنت مُفعم بالحيوية و الطاقة و النشاط , اتركوا تلك الفكرة , خذوا فكرة أخرى رآها بعضكم ربما , أكتب مجموعة من الأبيات الشعرية , بيت واحد في بطاقة ورقية و احملها معك طوال ما أنت في الطريق كرِّر تلك الأبيات , احفظها , أنا أعرف أحد الإخوة الذين جرّبوا هذه الطريقة , خلال فترة وجيزة , استطاع أن يحفظ ألفين بيت , ألفين بيت من الشِّعر استطاع أن يحفظهم , يقول حوَّلتُ رحلتي المضنية إلى عملي ذهاباً و من عملي إلى بيتي إياباً إلى روضةٍ أدبية و استطعت أن أجني من خلال تلك اللحظات , قمّة الإنتاج و غاية الاستفادة و حفظت كل تلك الأبيات .

دعوني من هذا و من ذاك و استمعوا إلى قِصة تلك المرأة التي كانت تشتكي دائماً من المشكلات , أنا كُل يوم في مطبخي , هذه مشكلة ليس لها حل , لا بد أن نطبخ الغداء و لا بد أن نطبخ العشاء و لابد أن نغسل الصحون و لابد أن نجهِّز الطعام , أتحداكم تصلوا من خلال ما يقول عنه هذا المتحدث إلى حل لهذه المشكلة , هذا الكلام سمعته بأذني من أحد الأخوات التي اتصلت بي , وقال أنتم تتحدثون عن أشياء غير واقعية , احنا عندنا مشاكل ليس لها حل , اقترحت عليها فكرة , أخبرتني بعد ذلك بنتيجة تلك الفكرة , قلت لها هل تريدي أن تُصبحي طالبة علم , طالبة علم ! ما عندي وقت أحضر دروس , لا لا لا أبداً كوني طالبة علم و أنتي في المطبخ , أصلاً أنتي لو عندك وقت تحضري دروس كان أعطيتك نصيحة أخرى , إحنا نريد وقت المطبخ , يكفينا الآن , طبَّقت النصيحة ثم اتصلت بي بعد ستة أشهر , قال هل تصدق أنني الآن أحفظ أكثر من ثلاثمئة حديث و أعرف شرحها شرحاً و لو أردت أن أُلقي في كل حديث من هذه الأحاديث محاضرة لاستطعت , كل الذي قامت به أنها أخذت مجموعة أشرطة لأحدِ العلماء , مجموعة دروس لشرح تلك الأحاديث من أحد الكتب وبدأت بينما هي تعمل تصغي إليها و تستمع إليها , نجحنا في التحدي , أوجدنا حلاً, وسننجح في التحدي دائماً , أنتم وأنتن الكل سينجح في التحدي إذا كنا قادرين على التَّحليق في دائرة اسمها دائرة القدرة , ماذا أستطيع أن أعمل أنا , ماذا أستطيع أن أفعل بنفسي , هنا سنصل , سيعود شخص آخر و يقول : يا شيخ هنالك بعض التجارب السلبية السابقة هي التي تقف أمامنا و هي التي تعيقنا , خليك منطقي شوي , كم مرة حاولت أن أصنع ذاتي , كم مرة حاولت أن أحقق نجاحاتي لكنّ الفشل السّابق يسحبني إلى الوراء مررت بتجربة قاسية , لا أستطيع أن أتجاوزها و لا أستطيع أن أنساها , أقول له الناجحين ليس في حياته فشل , الناجح لا يحمل في خارطته الذِّهنية شيئاً يُسمى فشل بل يعرف ما يسمى بتجربة نحن لا نفشل نحن نخوض غمار التَّجارب الضَّربة التي لا تقصُم ظهرك تُقوِّيك أي تجربة مررتَ بها إن كُنت تشعر بأنها كانت فشلاً فقد أخطأت و إنما هي تجربة , أعلنتُ مرةً في أحد الصحف , أبحث عن موظفين , أبحث عن مدير تسويق , حضر مجموعة أشخاص و قدموا سيرهم الذاتية , من بينهم شخص عندما قابلته والتقيت معه : ايش هي مؤهلاتك , قال : مؤهلاتي : أكثر من مئة مؤسسة فاشلة , عملتُ على إدارة تسويقها , و أُبشّرك فشلت !! , الله يبشرك بالخير ! وإحنا كم رقمنا إن شاء الله , قال :لا لا لا , هذي مؤهلاتي الحقيقية , كل تلك التجارب التي دفعتْ ثمنها تلك المؤسسات غالياً ستجنيها أنتَ اليوم , والله ! أريد أن أتفاءل , أريد أن أُصدِّقك , قال :لا .. اسمح لي أن أُحدثك عن الخبرة التي حصلت عليها من خلال كل تلك التجارب , عندما استمعتُ إليه تمنّيت أنني أدرتُ أكثر من مئة مؤسسة فاشلة , حتى أحصل على خِبرته التي وصل إليها , بمجرّد أنه اعتقد أن التجارب التي مر بها هي خِبرات نتيجة تجارب , استطاع أن يكون واثق من نفسه وأن ينطلق من جديد , صدِّقوني لو حوّل الفكرة واعتقد أنه فشل لَترك العمل مُنذ أول تجربة , من بعد أول مؤسسة سكَّرها , رُبما لا يبحث عن عمل بعد ذلك لكنه كان ينظر إلى تجاربه نظرة إيجابية , تذكر هذه الكلمة , انظر لحياتك من الزاوية المشرقة , انظري إلى حياتك من الزاوية المشرقة , إذا استطعنا أن نمتلك تلك النظرة نستطيع أن نصنع ذواتنا , رحلتي مع صناعة الذات بدأت بقصة , سأختمها بقصة , قصة لن أنساها , قصة واقعية حصلت معي فعلاً , قصة تؤجِّج المشاعر في نفسي و أنا أتحدث عنها , عندما أُدير شريط تلك القصة في مخيلتي أشعر و كأنّني سأسقط من فوق هذه المِنصّة , كانت تجربة , دعوني أُحدثكم عنها , عندما كنت في الصف الثاني متوسط , و في شهر رمضان بالتحديد صليت التراويح خلف الإمام كان خاشعاً بِالقدر الذي ملأ المصلين بالخشوع و كنت أحدهم تأثرتُ من دعائه للمسلمين و نصرة المسلمين فخرجتُ و نفسي عَبِقة مُتألِّقة مشاعراً ايجابية و قمت أتساءَل و أنا في هذا العمر كيف أستطيع أن أخدم الدين و كيف أستطيع أن أخدم أمتي , كانت فكرة تعتصرني , فكرة تقتلع عليّ أُنسي و سروري فتحوله إلى حزن وكدر , تلك الفكرة أن الشباب الصغار في عمري يضيِّعون أوقاتهم سدىً بدون أيةِ فائدة وبينما أنا أسير عائد من المسجد إلى البيت , أشاهد مجموعة من رفاقي في عمري يلعبون الكرة و يترامونها و يتراشقونها من خلف الشبكة : يا الله ! هؤلاء ضحية المؤامرة على الأمة الإسلامية , بقيت مشاعري متأججة , كنت أتقلب على فراشي , جاء الصباح فانطلقت إلى المدرسة , أول ما وصلتُ اتجهت إلى الأستاذ عبد الله , الأستاذ المسئول عن النشاط : يا أستاذ لو سمحت أريد أن أُلقي كلمة بعد صلاة الظهر: جميل رائع ! أعطيني الكلمة حتى اقرأها , آآه و الله أنا للأسف ما كتبتُ الكلمة , ما كتبتَ الكلمة ! طيب كيف ستُلقي ؟ , سأُلقي ارتجالاً أنا عندي أفكار و سألقي ارتجالاً , اسمحوا لي أن أقول لكم سر لا تخبروا به أحد , حتى تلك اللحظة لم أكن قد وقفتُ و ألقيتُ في حياتي , و لا مرة , للأسف الأستاذ وافق على طلبي , مضى الوقت بطيئاً , صلّينا الظهر , كنتُ أصلي , كان قلبي يرتجف ارتجافاً , أنا لا أعرف هل هو خشوع في صلاة الظهر , سَلَّم الإمام أردت أن أقف , فشعرتُ أنّ قلبي يزداد ثِقلاً و الثقل يزداد حتى انه يمنعني من الوقوف , قلت في نفسي , و أنا ايش اللي جابني للمشكلة هذي لكن , لا مناص تحاملتُ على خطواتي مشيت تقدمت وقفت أمام الطلاب انظر إليكم و كأني انظر إليهم , كانوا أمامي عدد الصفوف خمسة صفوف , و الأستاذ عبد الله صلى بنا إماماً و يجلس بجواري الأستاذ عبد الله قال لي : إذا أطلتَ سأسحبُ ثوبك : بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ... سورة الفاتحة .. أما بعد : المدرسة كُلها بدأت تضحك , حتى الجدران كانت تضحك , أحد المدرسين كان سمين جداً لم يردني أن انظر إليه و هو يضحك وضع يديه على فمه كنت انظر إلى بطنه يضحك .. المدرسة كلها كانت تضحك , يا الله , اسألني عن أعظم أمنية , سأقول لك , أتمنى أن تنشق الأرض و تبتلعني , اشعر بتنميل في أطرافي , اشعر بأن رُكبي تنتفض , أشعر بأن قلبي ذهب و تَركني , اشعر بأن شخص عَصَر ليمونةً فوق رأسي , أكاد أن أنكمش و أتضاءل كانت تلك هي مشاعري , اسألني عن أيِّ أُمنيةٍ لا أتمنّاها سأُجيبك بكلمة واحدة : لا أتمنى أن يراني أحد لا أتمنى أن يسمعني أحد لا أتمنى أن يشعر بي أحد أتمنى أن اختفي , تقدمتُ بخطوات متثاقلة و الضحكات تنسحبُ شيئاً فشيئاً , كنت أجلس قبل الصلاة و أثناء الصلاة في الصف الثاني , تقدمت حتى وصلتُ إلى الصف الثاني جلستُ في مكاني أنزلتُ رأسي اصطَكّت رأسي برُكبتي كان الجالس عن يميني يضحك و يضربني ضربات بسيطة فأميلُ إلى اليسار فيضحك الجالس عن يساري و يضربني ضربات بسيطة أنقذني صوت المدرس , أحد الأساتذة بدأ يصرف الصفوف حتى يعودوا للحصة بعد الصلاة , الصف الأخير يتحرك الصف الذي يليه يتحرك الصف الثالث يتحرك الصف الثاني يتحرك وصلني الدور , وقفوا جميعاً حتى يغادروا وقفتُ و كبَّرتُ السُّنة , انصرفوا جميعاً , بعد أن انتهيت التفتُّ يمين , التفتُّ يسار لا يوجد أحد الآن اهرب الآن أقف , ذهبت إلى فصلي , يا الله نسيت إذا كنت آخر من يغادر المصلى سأكون آخر من يصل إلى الفصل , كل السخرية تنتظرني داخل الفصل , فتحتُ باب الفصل : قاه قاه قاه قاه , الكُل بدأ يضحك , من نعمة الله عَلي أن طاولتي كانت الطاولة الأولى , سحبت طاولتي و جلست , بدَأت العبارات تتراشق كل منهم يضربُ رأسي بعبارة , أخرجت كتاب و دفنت وجهي فيه , أأبكي ؟ كيف أُعبِّر عن مشاعري ؟ كيف أُفجِّر يأسي ؟ كيف أُحدِّثكم عن إحباطي ؟ تخيلوا تلك الكثافة السلبية العالية التي تكدَّست في نفسي , بينما أنا كذلك , ضربة قوية على الطاولة , رفعتُ رأسي : مدرس اللغة العربية , سحبني من يدي أخرجني, أوقفني أمام الطلاب , الأستاذ إبراهيم كان قاسياً , يمتلك كف لم أذُقها ولكنني رأيتُ من سقط على الأرض لأنَّه ذاقها , يا ساتر أمسكَ بيدي , ماذا يريد , أوقَفَني أمام الطلاب , عاقَبني لوحدي , تفاجئتُ بأن يده التي كانت تمسكُ بيدي كانت ترسلُ لي مشاعرَ المحبة مشاعر مُفعمة بالحميمية , رفعَ يدي عالياً : أحسنتَ يا مريد , أحسنتَ يا مُريد , كأني مُنتصر في حلبة المصارعة , أنا لا أكتُمكم في البداية كنت مُطأطئ و نظري يصافح الأرض , لما رَفع يدي إلى الأعلى : أحسنتَ يامريد , ليش ايش سويت بدأت , قال الأستاذ إبراهيم : مريد هو الشخص الوحيد الذي وقف أمامكم و لم يتحدثْ و لم يقف منكم أي شخص و لم يتحدث منكم أي شخص , مريد وقف ولم تقفوا , الذي وقفَ اليوم ولم يتحدث يقف غداً و يتحدث , آآه صح : أقف غداً و أتحدث أنا لم أفشل أنا مررتُ بتجربة , الأستاذ إبراهيم جعلني انظر إلى التجربة من الزاوية الايجابية , جعلني انظر إليها من الزاوية المشرقة , ماذا تتوقعون النتيجة اليوم الثاني وبعد صلاة الظهر وقفتُ أمام الطلاب و قلت أما بعد ثم تحدثت و تكلمت , ترى لو أنني لم انظر إلى تلك التجربة بزاويةٍ ايجابية ما الذي كان سيحدث ؟ ما كنتُ سأقف أمامكم في هذه اللحظات .

لن أنسى كلمةً أخيرة قرأتُها عندما كنتُ صغيراً في أحد الكتب قال مؤلفُ ذاك الكتاب ما احترق لسانٌ بقوله نار , و لا اغْتَنى فقيرٌ بقوله ألفَ دينار , قُل ألف دينار إلى الأسبوع القادم لن تجد في جيبك و لا حتى ديناراً واحداً , قل نار إلى الشهر القادم لن يحترق لسانك , و لكن قل فِكرتك بعد أن تُعمِلها في ذِهنك , تحدَّثْ بها , ثم اكتُبها , ثم خطِّط لتنفيذِها , ثُم انطلق بعزيمة , ستُحقِّق ذاتك , سَتصِل إلى ما تُريد و ستكون كما تُريد , و ذلك ما تُريدون , و ذلك ما أُريد .

اسأل الله سبحانه و تعالى أن يجعلنا كما نطمح و كما نأمل وكما نُريد أن نكون .

الحياة تجربة و صناعة الذات فكرة تخلق الأمل و الأمل لا بد أن يحذوه العمل وبذلك نستطيع أن نكون و نستطيع أن نحقق ذواتنا .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد .


منقول...الرابط